المعنى :
الله الذي رفع السماء وبسط الأرض ، وخلق الإنسان وصوره ، هو صاحب الخير والبركات ، تبارك خيره ، وزادت نعمه ، وهو إن شاء جعل لحبيبه المصطفى خيرا مما يطلبون من الكنز والجنة ، وجعل له بدل الجنة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار ، ويجعل له القصور الشماء ، إذ هو صاحب الأمر إذا قال للشيء كن فيكون وفي هذا رد عليه حث قالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ولكنه الله ـ سبحانه وتعالى ـ أراد لنبيه عيشة الكفاف مع غنى النفس وقوة الإيمان ، وكثرة الصبر. حتى لا يشتغل بدنياه عن دينه ، وكيف لا يكون كذلك ، والله يعده لتحمل أكبر رسالة في الوجود. وهذه الزعامة والرسالة تتنافى مع الدنيا وزخارفها الفانية.
وفي رواية سفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن خيثمة قال : قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك ، وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا ، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة فقال النبي : «يجمع ذلك لي في الآخرة» فأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية.
وفي رواية. يا رضوان ـ حينما عرض عليه ذلك ـ «لا حاجة لي فيها ، الفقر أحبّ إلىّ وأن أكون عبدا صابرا شكورا» وعلى ذلك فيكون المعنى أن هذه الجنان والقصور تكون في الآخرة.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) هذا إضراب عن شبههم ، وبيان أن هذه التعللات ليست حقيقية فلو أجيبوا إلى ما طلبوا ما آمنوا أبدا ، وإنما السبب هو أنهم كذبوا بالساعة ، ولم يؤمنوا بالغيب والحياة الآخرة ومن كان كذلك لم يكن عنده استعداد للبحث والنظر والإيمان بالرسل ، وهؤلاء قد أعد الله لهم جهنم سعيرا ذات نار مسعرة موقدة.
والله قد وصف السعير المعد لهم بصفات :
(أ) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وهذا كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ* تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) وهذا وصف يفيد بوجه عام شدة النار ولهبها [سورة الملك الآيتان ٧ و ٨].
(ب) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ، وهذا وصف لهم في