المعنى :
وهذه شكاية الرسول لرب العزة والجبروت من سوءاتهم وأفعالهم التي تناهت في الفحش والسوء ، وقال الرسول : يا رب : إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا! ولا شك أن ترك الإيمان بالقرآن والتصديق به هجران له ، وترك تدبره وتفهمه هجران له ، وإن ترك العمل به وعدم امتثال أمره واجتناب نهيه في كل شيء هجران له ، وإن ترك الحكم به والعمل بقانونه في كل صغيرة وكبيرة ـ مع أن حكمه مرن وصالح لكل زمان ومكان ـ هجران له ، وإن اللغط واللغو عند تلاوته هجران له (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) وناهيك عن وصفه بأنه كذب وسحر وشعر فهو هجران له وأى هجران؟ وفي كل هذا ألم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وأى ألم أكثر من هذا؟!! ، ولذا يقول الله لا تحزن يا محمد فتلك سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وكذلك جعلنا لكل نبىّ عدوا من المجرمين ، إى : وربي قد جعل الله ـ سبحانه ـ لكل نبي ورسول عدوا من شياطين الجن والإنس ، الذي يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
ولما ذا يكون للنبي أعداء! ألم يأت بالحق؟ ألم يدع إلى الخير؟ ألم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر؟ ألم يدع إلى عبادة الله الذي خلق الخلق ، وفطر السموات والأرض ، نعم الأنبياء رسل الله إلى الناس ، والدعاة إلى كل خير ، ولهذا فقط كان لهم أعداء ، وأعداء كثيرون!!! سبحانك يا رب ما أعدل حكمك وأجل شأنك!! ألست قادرا على إهلاك الأعداء ونصرة عبادك الأنبياء؟ نعم الله ـ سبحانه ـ قادر على كل شيء ، ولكن هذا يحصل ليبتلى الله المؤمنين ، وليمحص الله الذين اتقوا ، ويمحق الكافرين والمنافقين ، وليبوء أعداء الله والحق ، وأعداء الأنبياء بالإثم الكبير ، والذنب العظيم.
نعم جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكذلك الدعاة إلى الله في كل وقت وحين لهم أعداء يقفون لهم بالمرصاد ، ويذيقونهم سوء العذاب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [سورة العنكبوت الآيتان ٢ و ٣].
ولكن مع هذا كله فالله معهم ، وناصرهم ومؤيدهم ما داموا على الحق الصريح يحاربون نفوسهم ، ويهزمون شياطينهم ، وكفى بربك هاديا ، وكفى به نصيرا ، وهو على كل شيء قدير!