المعنى :
وهو الذي مرج البحرين العذب والملح وخلى بينهما وخلط ، وأفاض أحدهما إلى الآخر ، فهما يلتقيان أحدهما عذب فرات ، يزيل العطش ، ويكسر سورته وذلك كمياه الأنهار والعيون والآبار ، وهي المياه الجارية التي فرقها الله بين عباده لاحتياجهم إليها كأنهار النيل والفرات والمسيسبى في أمريكا وغير ذلك كثير في جميع بقاع العالم ، وكذا العيون والآبار التي في الواحات والصحارى الكبرى وغالب هذه الأنهار وروافدها تتكون من الأمطار ، وبعضها يتسرب في الأرض ثم يظهر على شكل عيون وآبار.
والثاني ملح أجاج ، مر المذاق لا يستساغ شربه ، كالبحار الكبيرة والمحيطات المعروفة ، وهذه مياه ساكنة إلا من المد والجزر ، وتصب فيها الأنهار الجارية.
وإنا نرى أن البحرين العذب والملح ، يسيران جنبا إلى جنب بل وقد يصب العذب في الملح ، مع ذلك يبقى كل منهما محافظا على خصائصه مسافة طويلة ، هذا هو المشاهد عند مصاب الأنهار ، ونشاهد كذلك أن الأرض تحمل النوعين ، والقارة فيها الصنفان المتميزان كل عن الآخر ، لا يبغى أحدهما على الآخر أبدا.
وعلى ذلك يصدق فيهم قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) وقوله تعالى في سورة الرحمن (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) فالحاجز هو اليابس من الأرض ولقد صرح بذلك بعض أئمة التفسير كابن كثير وغيره ، وإلى هذا أميل ، وبعضهم يرى أن الحاجز ما يشاهد من نهر النيل مثلا يصب في البحر الأبيض وهو ملح ، ومع هذا يظل ماء النيل سائرا في الملح مسافة وهو محتفظ بخاصيته وهذا من نعم الله التي أنعم بها على خلقه فللماء العذب فوائد كلنا يعرفها ، وللماء الملح فوائد لا تخفى في تربية بعض الأسماك ؛ والأصداف والأحجار الكريمة كاللؤلؤ والمرجان. ولقد أثبت العلم الآن أن للمحيطات وملحها أثرا كبيرا في حياة الناس ولو كانت عذبة لفسد الجو.
وهو الذي خلق الإنسان من ماء مهين هو ماء النطفة ، فسواه وعدله ، وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى تكون لها مصاهرة وقرابات وأختان ، وتبارك ربك الخلاق وكان ربك قديرا بالغ القدرة ، خلق الإنسان ، وكان أن جعل منه الذكر والأنثى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) أرأيت الله واهب الوجود مبدع ذلك