٢ ـ (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) أى : إذا تعرض لهم غيرهم من الناس بسوء ردوا عليه بالخير ، وألقوا قولا فيه سلام وتسليم ، وفيه العفو والصفح ، فهم يقابلون السيئة بالحسنة حيث صدرت السيئة من جاهل حقيقة أو حكما (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) فإذا وصلت حالة إلى أنه لا يعتبر جاهلا بل قاصدا عامدا للإهانة فهم يعتزون بالله وبرسوله ، ويدفعون عنهم الذل والعار ، ويضربون على أيدى السفيه الأحمق المعاند حتى يكون عبرة له ولغيره.
٣ ـ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) وهذه صفة تختلف باختلاف الناس فمنهم من إذا صلّى العشاء في جماعة وأتبعها بسنتها ثم صلّى الفجر في جماعة كان متصفا بأنه بات لربه ساجدا وقائما ، ومن الناس من يصدق فيهم قوله تعالى (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) وفي الحق أن كل نفس عليها ما تستطيعه بل وأقل منه حتى لا تنفر من العبادة ، ولا يصيبها الملل والكسل.
وقد وصف الله عباده في النهار بالمشي هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، وفي الليل بأنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما «عبّاد الليل وفرسان النهار».
٤ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) نعم هؤلاء هم عباد الرحمن حقا يفعلون من الخير ما يفعلون ، ولكنهم دائما في حذر وخوف ، ولا يأمنون مكر الله ، إنه لا يأمن مكره إلا القوم الفاسقون ، هؤلاء دائما يذكرون الله ، ويخشون عذابه ، ويقولون سائلين متضرعين : ربنا اصرف عنا عذاب جهنم الذي أعد للعصاة إن عذابها كان لازما لزوم الغريم ، إنها ساءت مستقرّا ومقاما وهذه الآية كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) [سورة المؤمنون آية ٦٠].
٥ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) وتلك أساس الاقتصاد بل أولى دعائمه ساقها القرآن من أربعة عشر قرنا ، وإن جهلها المسلمون ولم يعملوا بها حتى غزانا الأجنبى اقتصاديا كما غزانا سياسيا.
والدين كثيرا ما أمرنا به انظر إلى قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ). (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) من سورة