ولكن كلما جاء أمة رسولها كذبوه ، وأعرض أكثرهم فهم لا يؤمنون ، وها هم أولاء كفار مكة ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا كانوا عنه معرضين ، والقرآن الكريم نزل على النبي صلىاللهعليهوسلم منجما تبعا للحوادث ، وتلاه جبريل على النبي سورة بعد سورة وآية بعد آية فالقرآن أى الحروف والأصوات حادث بهذا المعنى.
والله ـ سبحانه ـ يقول لهم ما معناه : إن الله قادر على أن ينزل آية تخضع لها أعناقهم وتذل ، ومع هذا فهو ينزل القرآن آية بعد آية رحمة بهم لعلهم يهتدون ويتذكرون ولكنهم أبدا لا يتعظون ولا يؤمنون ، بل هم معرضون ومكذبون ومستهزئون ، وإذا كانوا هم بهذا الوضع فلا ينفع معهم إلا الزجر الشديد ، والوعيد الذي يهز القلوب (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (١) ولقد صدق الله حيث يقول فيهم : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ* فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢) نعم سيرون هذا بنزول العذاب عليهم في الدنيا ، ونصرة محمد وصحبه الضعاف عليهم ، أو سيرون ذلك يوم القيامة.
وقد بين الله ـ سبحانه ـ أنه مع إنزال القرآن آية بعد آية ، وحالا بعد حال قد أظهر أدلة كونية في كتاب الوجود لا تخفى على أحد ممن يعقل فقال.
أعموا ولم يروا إلى الأرض وعجائبها؟ التي تنطق بأن لهذا الكون إلها قويا قادرا عليما خبيرا ، لا يمكن أن يقاس بتلك الأصنام والأحجار ، أو لم يروا إلى الأرض كثيرا ما أنبتنا فيها من كل زوج وصنف كريم ، ولا شك أن كل نبات في الأرض كريم أى له فوائد ، وإن خفيت على بعض الناس.
إن في ذلك الإنبات لآية بليغة معجزة قوية وأى آية؟!! وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز يعز أولياءه وينصر أحبابه ، القوى الذي يهزم أعداءه ، ويهلكهم حيث يستحقون ذلك ، الرحيم بالعباد جميعا ففي نعمه ونقمه رحمة بالخلق وقد نفى القرآن عنهم الرؤية مع أنهم يرون ، ولكنهم كالبهائم التي ترى ولا تعقل ، والرؤية المنفية عنهم هي رؤية الروح والقلب التي بها العظة والعبرة والذكرى لا رؤية العين فإنها موجودة.
__________________
(١) سورة ص الآية ٨٨.
(٢) سورة الشعراء الآيتان ٥ و ٦.