فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))
المعنى :
أولياء الله هم أحبابه وأصفياؤه ، والخلص من عباده ، المخلصون في عبادتهم وتوكلهم ، وحبهم ، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ـ أولياء جمع ولى ـ وهذه الكلمة تتكون من واو ولام وياء. وهذه الأحرف مجتمعة تدل على القرب ، والقرب منه ـ تعالى ـ في المكان والجهة محال ، إنما يكون إذا كان القلب مستغرقا في نور معارفه ، غارقا في بحر إدراكه ، وسبحات وجهه ، فإن رأى رأى دلائل قدرة الله ، وإن سمع سمع آيات الله ، وإن نطق نطق بالثناء على الله ، وإن تحرك ففي خدمة دين الله ، وإن اجتهد اجتهد في طاعة الله ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله ، وحينئذ يكون وليا من أولياء الله وإذا كان العبد كذلك كان الله وليه وناصره ، ومعينه ومتولى أمره ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). قال العلامة البيضاوي : أولياء الله الذين يتولونه باطاعة ويتولاهم بالكرامة ومحبة العبد لله تكون بطاعته ومحبة الله للعبد الكامل بحسن مثوبته ، (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذا الجزاء ثابت لجميع المؤمنين الصالحين المتقربين إلى الله في آيات كثيرة سبقت وستأتى.
الذين آمنوا إيمانا كاملا بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر. وكانوا يتقون الله في ما يعملون ويذرون ، فهم يتقون غضبه وعقابه بترك ما يغضبه ، هؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا بالنصر فيها ما داموا ينصرون الله ورسوله ويقيمون شريعته وأحكام قرآنه ، ولهم البشرى بحسن العاقبة ، وباستخلافهم في الأرض إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) وأما البشرى في الآخرة فالنعيم والجنة العالية ذات القطوف الدانية (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [سورة فصلت الآيات ٣٠ ـ ٣٢].