بذلك سلطانا ولا جاها إن أجرى إلا على ربي لو كنتم تعلمون ، ولكنهم كذبوه إذ قال لهم هذا ، ورموه بالسفاهة ، والجنون.
وقال لهم هود : يا قوم أتبنون بكل مرتفع من الأرض أو بكل طريق بناء كالعلامة التي يهتدى بها حالة كونكم تعبثون؟ وتلعبون بهذا البناء ، ولم تنتفعوا به فيما ينفعكم ، وقيل أنتم في هذا البناء تسخرون ، وتهزءون بغيركم حينما يمرون عليكم؟ وتتخذون مصانع تجمعون فيها الماء كالأحواض والبرك والسدود ، أو تتخذون مصانع من المدائن والقصور الشامخات ، والتاريخ يحدثنا بأنهم كانوا أصحاب سدود وأحواض لجمع المياه ، وأصحاب قصور شامخات لعلكم بذلك كله تخلدون ، والمراد فعلتم هذا راجين الخلود في الدنيا منكرين البعث ؛ وإذا بطشتم بأحد بطشتم جبارين ، وقد كانت تلك القبيلة ذات بأس وقوة وشدة ، وقد زادهم الله بسطة في الجسم والخلق ، وبوأهم أرضا تدر عليهم من الخير الكثير ، لهذا كانوا إذا سطوا أو حاربوا بطشوا بعنف وشدة.
وقد وصفهم الله بصفات ثلاثة كلها تدل على أنهم يريدون علوا في الأرض واستكبارا ، فهم يبنون بكل ريع بناء ضخما حالة كونهم به يستهزئون ويعبثون ، وهم قد اتخذوا المصانع والمنازل كأنهم مخلدون ، وإذا بطشوا بالغير بطشوا جبارين ، وهذه صفات تتنافى مع الإيمان والتصديق بالرسل الكرام ، لذا تجدهم كذبوا هودا وتحدوه (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
مع أن هودا كان يدعوهم بالحسنى ويذكرهم بالنعمى ، لعلهم يثوبون ويرجعون (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) واتقوا يا قوم الذي خلقكم وأمدكم بما تعلمون من النعم ، أمدكم بأنعام منها تأكلون ، وعليها تحملون ، ومن أوبارها وأشعارها تلبسون ، وأمدكم ببنين أولى بأس وقوة ، وأمدكم بجنات وعيون ، وهل بعد هذا نعمة؟ أعطاهم أنعاما ورجالا ، وجنات وأنهارا أفليس هذا مما يدعو إلى الشكر وامتثال الأمر ، ولذا قال هود لهم : يا قوم. إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم في الدنيا والآخرة.
ولكنهم قوم مغرورون ، لم يستجيبوا لنبيهم بل قالوا له : يستوي عندنا وعظك لنا وتحذيرك إيانا ؛ وعدم وعظك أصلا ، فإنا لا نرعوى لوعظك ، ولا نسمع لكلامك والسبب في هذا. أن الذي خوفتنا به ما هو إلا خلق الأولين وافتراؤهم وكذبهم ، وعلى قراءة (خلق) يكون المعنى إن هذا الذي نحن عليه من بناء الصروح والقوة في