اعلم يا أخى ـ وفقك الله للخير ـ أنه ـ سبحانه وتعالى ـ أرشد رسوله إلى ترك الأسف والحزن على عدم إيمان أكثر الناس ، ثم ساق القصص مؤيدا ذلك ومسليا ، ثم أقام الحجة والبرهان على صدق الرسول في دعواه ، وناقش المشركين في شبههم الواهية ، وبعد ذلك كله نهى الرسول عن اتخاذ الشريك للباري في كل صورة متوعدا من يفعل ذلك بالعذاب الشديد ، والمراد من ذلك نهى غير النبي عن الشرك.
نفهم من نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن الشرك (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ). ثم أمره صلىاللهعليهوسلم بأن يدعو الأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته. يمكن أن نفهم من هذا كله ، أن المراد نفى الشك والطعن عن الدعوة المحمدية لأن الإنسان جبل على حب الخير له ولأهله.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة قال : لما نزلت آية (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال : «يا بنى كعب ابن لؤي أنقذوا أنفسكم من النّار. يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النّار ، يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النّار. يا بنى عبد المطّلب أنقذوا أنفسكم من النّار ، يا فاطمة أنقذى نفسك من النّار ، فإنّى لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها أى أصلكم في الدنيا ، ولا أغنى عنكم من الله شيئا يوم القيامة.
وهذه نصائح غالية تنفع الدعاة والمرشدين إلى الحق والخير حيث تبدأ بدعوتك أقرب الناس إليك. فهم الذين يعرفونك ، ويثقون فيك ، فإذا أضفت مع هذا لين الجانب وحسن الخلق ، وطيب العشرة لمن اتبعك وسار على طريقك ، كان لكلامك وقع ولشخصك مكانة في القلوب ، ولسلوكك في الناس تأثير وأى تأثير؟ ولذا يقول الله لرسوله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فإن لم تتبعك عشيرتك وقرابتك وعصوك فقل لهم : إنى برىء مما تعملون ، وتوكل على الله ، وسلّم أمرك إليه ، وفوض أمرك لربك إنه هو العزيز يعز أولياءه ، ويقهر أعداءه ، وينصرك عليهم برحمته ، فإنه يراك ، ويلحظك حين تقوم في أى عمل من الأعمال ، وحين تتقلب مع الراكعين الساجدين العابدين القانتين ، إنه هو السميع لكل قول ، العليم بكل فعل.