هو هدى وهداية ، وبشرى وبشارة ، ولكن المنتفع بذلك حقّا هم المؤمنون ، وإن كان القرآن نزل هداية للناس جميعا (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) (١) هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤدونها كاملة تامة الأركان والشروط مقومة أحسن تقويم ، وهذه هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والتي تصل العبد بربه ، والتي هي علاج روحي للعبد (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٢) وهم الذين يؤتون الزكاة التي هي علاج للمؤمنين كجماعة من الجماعات فوق أنها علاج للفرد كذلك ، وهم بالآخرة وما فيها هم يوقنون ، ويؤمنون بها إيمانا يقينيا صادرا عن علم وبحث واقتناع ؛ هؤلاء الموصوفون بتلك الصفات التي تعتبر رموزا لجميع أحكام الدين هم الذين ينتفعون انتفاعا حقيقيا بالقرآن ونوره ، وهذا لا يمنع أن العالم كله قد انتفع بنوره.
أما الذين لم يهتدوا بنور الحق ، وهدى القرآن فهم الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وهؤلاء زين الله لهم أعمالهم ، وحسن لهم أعمال الخير ولكنهم لم يعملوها بل ساروا على الطريق المعوج الذي يسير عليه المغضوب عليهم والضالون ، نعم زين الله أعمال الخير بإرسال الرسل وإنزاله الكتب تبين الحلال والحرام ، وتبشر العاملين ، وتنذر العصاة والمقصرين ، وقيل : إن المعنى. الله زين لهم عملهم القبيح حيث أودع فيهم الشهوة والميل إلى الشر ، ومكن الشيطان من إغوائهم حتى رأوا الحسن قبيحا ، والقبيح حسنا في نظرهم ، فوقعوا في الهلاك والآثام ، وهم يعمهون ، ويتحيرون ، وفي الضلال يتيهون ، أولئك الذين لهم العذاب السيئ الشديد في الدنيا والآخرة ، وهم في الآخرة هم الأخسرون أعمالا ، والتفضيل بالنسبة للزمان والمكان ، فالمفضل عليه هو أنفسهم لكن باعتبار حالهم في الدنيا أى إن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا.
وإنك يا رسول الله لتلقى القرآن ، وينزل عليك من لدن حكيم عليم خبير بصير. يفعل ما تقتضيه الحكمة والعلم الصحيح.
وهذه الآية بساط وتمهيد لما سيذكر بعدها من الأخبار والقصص ، وهي دعوى تفيد أن القرآن من عند الله ، والدليل على صحة ذلك ما سيذكر من أخبار الماضين وأحوالهم.
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.
(٢) سورة المعارج الآيات ١٩ ـ ٢٢.