ولما قربت من ديار سليمان أراد أن يظهر لها من دلائل عظمته ، ونعم الله تعالى عليه ما يبهرها ، ويجعلها تؤمن به ، وتصدقه في رسالته ونبوته ، أراد أن يحضر لها عرشها الذي تركته ببلادها لتجلس عليه في ذلك القصر المشيد ، الممرد بالقوارير.
فسأل جنوده عن قوى يأتيه بعرشها ، فقال عفريت من الجان : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، وإنى على حمله وحفظه لقوى أمين ، قال الذي عنده علم من الكتاب ـ والله أعلم به ـ أنا آتيك به في لمح البصر قبل أن أن تغمض عينك ، ويرتد إليك طرفك ، وكان كما قال وأحضر العرش الذي هو كرسي الملك على ما يظهر من وصفه الآتي (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [سورة النمل آية ٤٠] (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) [سورة النمل آية ٤١] فهذا يدل أن العرش يراد به كرسي الملك.
فلما رآه سليمان ماثلا أمامه قد حضر في أقل من لمح البصر قال : هذا من فضل ربي على ليبلوني أأشكر تلك النعم أم أكفر بها؟!! علما بأن من شكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإنما وزره على نفسه فقط ، وإن ربي ـ جل شأنه ـ لغنى عن شكر الشاكرين ، كريم يجازى على الحسنة بأضعافها ؛ قال سليمان لجنده : نكروا لها عرشها ، وغيروا فيه بعض التغير لنرى أتهتدي إليه أم تكون من الذين لا يهتدون؟!! وقد يراد بالاهتداء وعدمه الاهتداء إلى الحق فلما جاءت قيل لها : أهكذا عرشك؟ قالت : كأنه هو ....
قيل لها ادخلى القصر الذي أعد لمقامك فيه ، ولما أرادت دخول الصرح والوصول إلى العرش ظنت الزجاج المصنوع منه أرض القصر ظنته ماء فكشفت عن ساقيها لئلا تبتل ثيابها بالماء ، فأخبرت بأنه ليس ماء إنه قصر مشيد قد مرد بالقوارير ، وصنعت أرضه من زجاج.
قال سليمان : وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة منقادة من قبل حضورها ، وكنا منقادين في كل ذلك لله ـ سبحانه وتعالى ـ.
وهذه المملكة ، وعلى رأسها بلقيس صدها ما كانت تعبد من دون الله أى : منعها من إظهار الحق والإيمان بالله ما كانت تعبده وهي الشمس إنها كانت من قوم كافرين.
فلما رأت كل ذلك ، وأراد الله لها الخير والهداية قالت : ربي إنى ظلمت نفسي بما كنت عليه من عبادة غيرك ، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.