بسم الله الرحمن الرحيم ... ألا تعلو على ، وأتونى مسلمين : أى منقادين ، غير فاعلين ما تفعله الجبابرة الطغاة ..
لم ترد الملكة أن تستبد بالأمر ، بل جمعت وجوه القوم للمشاورة ، فقالوا ، وقد أخذتهم العزة بالإثم ، واندفعوا وراء العاطفة بدون عقل قالوا : نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد ، فعندنا العدد ، والعزم الأكيد ، ونحن طائعون لأمر الرئيس ، فالأمر إليك فانظرى بما ذا تأمرين؟
أما بلقيس فكانت امرأة عاقلة حكيمة استعملت العقل والسياسة ، ولم تغتر بما أبداه جيشها ورجالها من القوة والبأس ، وحسن النظام ، وكمال الطاعة ، وقالت لهم : أيها القوم ، هذا كتاب من ملك ، فإذا عاندناه وحاربناه ربما يغلبنا ، ويدخل ديارنا فيهتك سترنا ، وإن الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين غازين أفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، نعم ، ومثل ذلك وأكثر منه يفعلون!! وإنى سأعرض عليكم رأيا آخر ، ربما كان أحكم وأسلم ، ذلك أن نرسل لسليمان هدية نصانعه بها ، وتأتى رسلنا بأخباره الحقيقية ، وسيكون لنا بعد ذلك شأن ، وهذا رأى سديد ... وقد ارتضاه الكل ، وأرسلوا الرسل.
فلما جاءت رسلها سليمان بالهدايا قال سليمان : أتمدونني بمال؟! أنكر عليهم هديتهم قائلا : لست طالبا للدنيا وعرضها الزائل ، إنى أطالبكم بالدخول في دين الله وترك عبادة الشمس ، على أنى لست في حاجة لمالكم ، فما آتاني الله خير وأكثر مما آتاكم ، بل أنتم أيها القوم بهديتكم تفرحون.
ارجع إلى قومك أيها الرسول ـ والخطاب لزعيم الوفد ـ فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولا طاقة لهم على لقائها ، ولنخرجنهم من ديارهم أذلة ، وهم صاغرون.
وصل الخبر إلى بلقيس ، وعلمت حقيقة سليمان وجنده ، وقوة ملكه ، وأشفقت على قومها ، فأجمعت أمرها ، وعزمت على الذهاب إلى سليمان في (أورشليم) بالشام بهدية عظيمة.
ولما علم سليمان بزيارة بلقيس له في عاصمة ملكه شيد لها صرحا عظيما ، وجعل أرضه من زجاج ، وهذا شيء غير معروف باليمن.