الطير فلم يجد الهدهد ، فقال : مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، تعجب سليمان من حال نفسه حيث لم ير الهدهد ، ولم يأذن له ثم أضرب ثانية وقال : بل أهو من الغائبين! عد سليمان غيابه بلا إذن جريمة اقترفها ، وهدده بالذبح أو التعذيب بنتف ريشه إلا إذا أتاه بعذر بين ، وحجة قوية تبرر هذا التخلف.
ولم يمض غير زمن قليل حتى جاء الهدهد فسأله عن غيبته فأخبره بأنه أحاط بأمر لم يحط سليمان به ، وجاء بنبإ مهم من بلاد سبإ التي هي من بلاد اليمن ، وأخبره بملك عظيم وجاه عريض تملكه امرأة اسمها بلقيس ، وهي الملكة على تلك الديار ، وهذه المرأة أوتيت من كل شيء يتعلق بأسباب الملك واستتباب النظام ، ولها عرش عظيم ، محلى بالجواهر وأفخر الزينات. وهذه الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون الله ، ويرتكبون المعاصي ، وقد زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة حتى حسبوها خيرة ، فصدهم عن سبيل الله فهم لا يهتدون ، فعل الشيطان بهم هذا لئلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ، وينزل المطر من السماء ، وهو مخبوء فيها ، وينبت من الأرض ، وقد كان مستورا فيها ، وهو العالم بما تخفون أيها الناس ، وما تظهرون ، إنه عليم بذات الصدور ، هو الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم حقا ، وصاحب التصريف المطلق ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولكنه الشيطان يزين للناس ، ويغويهم حتى ينحرفوا عن الطريق الصواب إلى طريق المغضوب عليهم أو الضالين.
وفي قراءة : ألا يا اسجدوا ، والمعنى : ألا يا قوم اسجدوا لله الذي يخرج الخبء الآية.
قال سليمان حينما سمع مقالة الهدهد : سننظر في أمرك بعين الرؤية لنعلم أصدقت في مقالتك أم كنت من الكاذبين؟!
يا هدهد : اذهب بكتابي هذا إلى تلك الملكة فألقه إليهم ، ثم أعرض عنهم قليلا ، فانظر بعد هذا ماذا يرجعون من القول ، ويرددون ، وانظر أى رأى يختارون؟
فامتثل الهدهد أمر قائدة ورئيسه ، وحمل الخطاب ، وأوصله إلى بلقيس فقرأته ، وعلمت ما فيه ، وجمعت الملأ من قومها ، وأشراف مملكتها للتشاور في هذا الحدث ، فقالت : يا أيها الملأ : إنى ألقى إلى كتاب كريم لأن مرسله كذلك ، ولأنه مختوم ، وكريم في عباراته ، إنه من سليمان ، وقد كتب فيه :