وها هي ذي قصة بعض الأمم مع رسلهم ، حيث كان النصر للرسل ومن معهم ، والهزيمة للكفار مع كثرة عددهم وعدتهم ، وفي هذا كله تسلية للنبي ، ووعد له بالنصر ، وحث للمؤمنين على أن يقلدوا من سبقهم.
المعنى :
واتل يا أيها الرسول على قومك المكذبين المغرورين قصة نوح وخبره المهم إذ قال لقومه : يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي فيكم ـ فقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ـ وشق عليكم ما أدعوكم إليه من عبادة ربكم وعدم الإشراك به شيئا ، وكبر عليكم تذكيري بآيات الله ووعظي ونصحى لكم (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) [سورة هود آية ٣٤] إن كان هذا كله حصل فعلى الله وحده توكلت ، وعليه اعتمدت لا على غيره.
فأجمعوا أمركم واتفقوا على ما تريدون مع شركائكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله ، ثم لا يكن أمركم بعد هذا خفيا عليكم بل كونوا على بصيرة منه ، ثم اقضوا إلىّ بعد العزم الثابت والفحص التام الذي يجلى الأمر بحيث لا يكون فيه خفاء بما ترون ، ونفذوا ما عزمتم عليه ، ولا تنظرون ، وهكذا الموقف! وهكذا الوثوق بالله ، ولا غرابة في ذلك فهو نوح الأب الثاني للبشر ، توكل على الله ، ووثوق بنصره ، وتحد سافر للمشركين ولشركائهم ، فإن توليتم وأعرضتم عن دعوتي وتذكيري فما سألتكم على ذلك أجرا ولا مالا إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، يا قومنا إن أجرى وجزائي عند الله وحده ، وقد أمرت أن أكون من المسلمين إليه المنقادين لحكمه. وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه.
أما هم فكذبوه وعصوه ، ولم يستمعوا لأمره ونهيه فكان من أمرنا وسنتنا التي لا تتخلف ، أن نجيناه والذين معه في السفينة التي صنعها بأمرنا ووحينا ، وجعلنا المؤمنين معه خلفاء في الأرض يخلفون أولئك المكذبين وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا بعد أن أنذرناهم ووعظناهم فانظر يا من يتأتى منه النظر. كيف كان عاقبة المنذرين الذين يكذبون الرسل خاصة أنت يا محمد انظر كيف كان حالهم وكذلك تكون عاقبة المؤمنين ، وعاقبة المكذبين.