المعنى :
قل يا محمد : الحمد لله ، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ، نحمده ـ سبحانه ـ الذي منّ على الأمة المحمدية ، بنور القرآن ، وشرفها بأن منع عنها عذاب الاستئصال وهلاك الأمم السابقة ، وأبقى لها المعجزة الكبرى على مر الأيام والعصور ، وهي معجزة القرآن ، وسلام من الله وتحية من عنده مباركة طيبة ، على عباده المؤمنين ورسله المصطفين الأخيار ، الذين صبروا وصابروا على مشاق الرسالة ، وتكاليف النبوة ، فكان لهم من الله الأجر والثواب الجزيل.
أيها الناس : آلله خير أم ما يشركون؟ آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها؟ وفي هذا تبكيت للمشركين وتأنيب لهم لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار ففي هذا الكلام تنبيه لهم على نهاية الضلال والجهل ، روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجلّ وأكرم».
ثم إنه ـ تعالى ـ ذكر ما يفيد أنه المستحق للعبادة دون سواه ، إذ هو الخالق للسماء والأرض ، والذي يجيب المضطر إذا دعاه ؛ وهو الهادي في ظلمات البر والبحر ، وهو عالم الغيب والشهادة ، ولا يطلع على علمه أحدا ، وسيعلم الذين ظلموا كل هذا ، يوم لا تنفعهم معذرتهم في شيء ، وفي هذا من دلائل القدرة ، وكمال الوحدانية ، وتمام العلم ما لا يخفى.
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)؟!! ، والمعنى بل من خلق السماء وما فيها والأرض وما عليها ، وأنزل لكم من السماء ماء فأنبت بسببه حدائق وبساتين وزروعا وأشجارا ذات لون بهيج ، ورواء جميل ، ما كان لكم أيها الناس أن تنبتوا شجرها؟ أمن خلق هذا كله كمن لم يخلق شيئا؟ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟ أغير الله يقرن به في العبادة ، ويجعل شريكا له في القداسة؟!! بل هم قوم يعدلون عن هذا الحق الظاهر ، ويجعلون لله عدلا وشريكا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [سورة الأنعام آية ١].