يصفق لكل خطيب ، ويسير مع كل داع ، ويخضع لكل رئيس فما باله مع الملك ، إن كفر كفروا ، وإن قال خيرا أو شرا ، أو حقا أو باطلا أمنوا عليه فهم حزب (موافقون) وإن لم يعرفوا الكلام في أى موضوع.
ويظهر أن في طبيعة بعض الأمم الشرقية هذا الداء الوبيل الذي يصيب الحاكم والمحكومين ، فترى الحاكم أول أمره يتظاهر بالتقى والإيمان والإخلاص للمبادئ الفاضلة والمثل العليا ثم لا يلبث أن يجرفه تيار المادة ، وأن يصيبه داء الملك فيصبح فرعون مصر ، يتعالى ويتغطرس ويتجبر ويتكبر ، ويؤذى ويفسد ، ويسجن ويعتقل ، ويتنكر لكل صديق وحبيب ، وتكون الطامة الكبرى إذا أصبح حيوانا في الناحية الجنسية ، أو عبدا للمال إذا جمع المال من كل طريق.
أما المحكومون فلا يلبث أن يصيب بعضهم داء الخضوع والذل ، والحقارة والضعة حتى يصبح معه متشيعا للرئيس يوافقه ولو قال : إنى أنا ربكم الأعلى.
والعلاج الوحيد لذلك كله أن نضع الدين والقرآن نصب أعيننا ، وأن نغرس في نفوسنا تقوى الله والتوكل عليه حقّا حتى لا نغتر بدنيا ولا جاه ولا نخشى إلا الله فلا نقول إلا ما يرضى ربنا ، ويوافق ديننا.
وبعد فلنرجع إلى فرعون الذي علا في أرض مصر ، وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم الذكور خوفا على ملكه ودنياه ، ويترك نساءهم لأن الأنبياء التي سبقت موسى كانت تبشر به وبمولده ، وبأنه سيرفع أمر الله ، ويمنع الظلم عن الناس وبخاصة بنى إسرائيل ، ويزيل الملك القائم على أساس الظلم والجبروت ، إن فرعون كان من المفسدين.
يقول الله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) (١) وقادة وولاة وحكاما ، ونجعلهم الوارثين الذين يرثون ملك فرعون وأرض مصر بعد أن كانوا يسامون سوء العذاب.
ونريد أن نمكن لهم في الأرض ، ونرى فرعون الطاغية وهامان وأمثاله من وزراء الملك وحاشيته ، وجنودهما ما كانوا يحذرون ويخافون.
وقد حقق الله هذا كله بأن أرسل موسى وأنزل معه التوراة.
__________________
(١) سورة القصص الآية ٥.