زوجها فرعون ، راجية أن ينفعهما أو يتخذاه ولدا لهما (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [سورة طه آية ٣٩].
التقطه آل فرعون لتكون العاقبة والنهاية أن موسى يصير لهم عدوّا مبينا ومصدر حزن وتعب لهم جميعا ، إن فرعون وهامان وزيره وجنودهما كانوا مجرمين ومذنبين ، إذ لا يستوي الخبيث والطيب ...
فلما وصل إلى بيت فرعون قالت امرأته عند ما وقع نظرها عليه ـ وقد ألقى الله عليه محبتها ـ قالت ؛ هذا الطفل ألمح فيه أنه سيكون لنا سلوى ، به تقر عيوننا ، وتسكن نفوسنا ، فلا تقتلوه ، يا فرعون عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا نتبناه ، قالوا هذا وهم لا يشعرون ما يضمره الغيب لهم بسبب ذلك الطفل.
ولما حصل هذا ألقت أم موسى به في البحر. وهو ابنها فلذة كبدها أصبح فؤادها فارغا من كل شيء إلا من موسى وخبره ، وانتابتها الهواجس والظنون ، واعتراها ما يعترى البشر من الهلع والجزع عند فقد الحبيب ، إنها أوشكت أن تخبر أن الذي وجدتموه هو ابني ، وفي رواية كادت تقول : وا ابناه!! من شدة وجدها عليه ، كادت تفعل ذلك لو لا أن ربطنا على قلبها وألهمناها الصبر ، كما يربط على الشيء ليسكن ويستقر لأمر الله ، ولتكون من المؤمنين حقّا بقضاء الله وقدره ، المصدقين بوعده.
وكان من أمرها أنها أمرت أخته أن تقتفى أثره ، وتقف على خبره ، فأبصرته من مكان بعيد ، وهو في بيت فرعون ؛ تعرض عليه المرضعات فيأبى أن يرضع من إحداهن لأن الله حرم عليه المراضع ، فقالت أخته : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، ويقومون بخدمته وإرضاعه والعناية به ونظافته؟ ولا شك أن هذا عمل يقوم به أهل بيت لا امرأة واحدة ، وأهل هذا البيت لفرعون وعرشه ناصحون فلا تخشون منهم سوءا ، وكان ما أشارت به أخته.
وانظر إلى تدبير الله ـ جل جلاله ـ ، الرحمن الرحيم بخلقه ، وخاصة أولياءه وأحبابه ، حيث أعاد لأم موسى ابنها ترضعه وتربيه ، وتكون ظئرا له ، وتتقاضى على ذلك كله أجرا ، وهي آمنة من كيد الكائدين ، وسعى الساعين.