الخلق الأول من الله ـ وهذا معلوم بالضرورة ـ كان ذلك في مقام الرؤية ، والمقصود الاستدلال ـ بما علموه علما أصبح كالرؤية (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) من أحوال بدء الخلق ـ على إثبات المعاد ، فإن من قدر على البدء يقدر بلا شك على الإعادة بل هي أهون عليه في نظرنا ، إن ذلك المذكور من بدء الخلق وإعادته على الله يسير ، فكيف ينكرون الإعادة ويؤمنون بالبدء؟ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) على معنى قال الله لي : قل ـ يا إبراهيم أو يا محمد ـ لهم سيروا أيها المنكرون للبعث في الأرض لتشاهدوا مظاهر قدرة الله وآياته الدالة على أنه هو الخالق وحده لهذا الكون. وهو المنفرد ببدء الخلق ، ومن قدر على ذلك فهو القادر وحده على أن ينشئ النشأة الأخرى يوم القيامة إن الله على كل شيء قدير ، وفي النشأة الأخرى يعذب من يشاء ممن يستحق العذاب من الكفار والعصاة ، ويرحم من يشاء من عباده فضلا منه ورحمة.
وما أنتم يا بنى آدم بمعجزين الله في الأرض ولا في السماء ، وليس في وسعكم الهرب من قضاء الله في جهة السفل أو جهة العلو ، وما لكم من غير الله ولى ولا نصير ينصركم من عذابه.
والذين كفروا بآيات الله ، ولقائه أولئك يئسوا من رحمة الله ، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، أولئك لهم عذاب مؤلم موجع ، أما المؤمنون بالله ولقائه فأولئك يرجون رحمته ، إن رحمة الله قريب من المحسنين ؛ ولنرجع إلى إبراهيم ماذا حصل له؟.
لما أمرهم بعبادة الله ـ تعالى ـ ، وبين خطأهم في عبادة الأوثان ، وظهرت حجته عليهم فما كان جواب قومه على قوله لهم : اعبدوا الله واتقوه ، واتركوا عبادة الأوثان ، وما أنا إلا نذير وبشير ، وعلى البلاغ فقط ، واعلموا أن هناك يوما للحساب والعقاب ومن خلق الخلق أولا قادر على الإعادة ثانيا.
فما كان جواب قومه على ذلك إلا أن قال كبارهم ورؤساؤهم : اقتلوه ، أو حرقوه بالنار ، يا عجبا لهم!! يدعوهم إلى الخير ، ويبصرهم بالطريق الحق فيكون المآل القتل أو الإحراق.
ولكن أيتركه ربه الذي أرسله للخلق ووعده بالعصمة والحفظ؟ كلا كلا : فقد أنجاه الله من النار حين قذفوه فيها ، وقال الله لها : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم