لما بين هذا ضرب لهم مثلا في اتخاذهم معبوداتهم آلهة باتخاذ العنكبوت بيتا لم يقها من شر عاد عليها.
المعنى :
مثل هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء والحال أنهم لم ينتفعوا منها بشيء أبدا مع أنهم اتخذوها راجين النفع والشفاعة منها كمثل العنكبوت اتخذت بيتا من نسيجها ، وإن أوهن البيوت لبيوت العنكبوت.
ولعل السر في جعل المثل دائرا حول اتخاذ العنكبوت بيتا ولم يقل نسيجا ، أن البيت يكون للظل والوقاية من حر الشمس وزمهرير البرد ، ومنع العدوان إلى غير ذلك من المنافع ، ولكن بيت العنكبوت لا يفيد شيئا ولا يقي خطرا. فكذلك معبوداتهم لا تنفع شيئا ، ولا تدفع ضررا ، على أن نسيج العنكبوت من حيث كونه بيتا لا يفيد فكذلك الأصنام من حيث كونها آلهة لا تنفع ولا تضر ، حقا. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون!.
ولعل السر في اختيار لفظ الأولياء بدل الآلهة إبطال الشرك الخفى ، وهو العبادة للرياء والسمعة فإن من يفعل ذلك يصدق عليه أنه اتخذ من دون الله وليا ...
وانظر إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بعد التمثيل ...! على معنى إن الله يعلم أنهم لا يدعون من دونه شيئا له وجود ، وهو العزيز الحكيم فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم العليم الخبير ، ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا.
وتلك الأمثال الرائعة التي هي من عيون الكلام لعمق أثرها في النفس ، وقوة فعلها في العقل نضربها للناس لا للبهائم والجمادات ، وما يعقلها ويدرك سرها ويقف على إشاراتها إلا العالمون ، ويقول الفخر : العلم الحدسى التجريبى يعلمه العاقل والعلم الفكرى الدقيق يعقله العالم ، وذلك كالأمثال ، ومن هنا ندرك السر في تعبير القرآن :
وما يعقلها إلا العالمون.