المبرهنة في التوحيد والنبوّة والمعاد. وبالجملة فقد تكفل القرآن بصلاح عامّة البشر معاشهم ومعادهم بما لم يأت بمثله أيّ كتاب سماويّ ، وأيّ شريعة من الشرائع السابقة. ولا شك أنّ الترجمة مهما كانت من القوّة والبلاغة في اللّغة الأجنبيّة فإنها لا تقدر على الإتيان بها بلسان آخر ، مهما كان المترجم قويّا ماهرا في كلتا اللّغتين العربيّة والأجنبيّة. فإذا صحّت الترجمة ولم يكن فيها أيّ تغيير وتحريف ، فهي جائزة ، بل نقلها واجب على المقتدر فردا كان أو جماعة ؛ لأنّ فيها أبلغ دعوة للإسلام ودعاية للدّين ، ويشمله قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)(١) وأيّ خير أهم وأعظم من الدعوة إلى الإسلام! ولم تزل ترجمة القرآن باللّغة الفارسيّة شائعة من زمن قديم ، ولم يذكّر أحد من علمائنا الأفاضل رحمهمالله المنع عنها ، وإذا جاز بالفارسيّة جاز بغيرها قطعا. وبهذا البيان لا حاجة إلى التمسّك بأصالة الإباحة ونحوها ، فإن الأمر أوضح وأصحّ وأجلى من أن يحتاج إلى دليل أو أصل أصيل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل» (٢).
نظرة الإمام الخوئي
لسيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ دام ظله ـ نظرة وافية بشأن ترجمة القرآن إلى سائر اللغات ، ذكرها في ملحق كتابه «البيان» مع إشارة إجمالية إلى شروطها الأوّلية ، وإليك نصّها :
«لقد بعث الله نبيّه لهداية الناس فعزّزه بالقرآن ، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم إلى مراتب الكمال. وهذا لطف من الله لا يختصّ بقوم دون آخر ، بل يعمّ
__________________
(١) آل عمران / ١٠٤.
(٢) نقلا عن رسالة «القرآن والترجمة» بقلم الأستاذ عبد الرحيم ، ص ٣ ـ ٤ ، طبعة النجف الأشرف ، ١٣٧٥ ه. ق.