ومن ثم كان ابن مسعود يقول : والله الذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت. وهكذا تواتر عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وتلميذه ابن عباس ، وغيرهم من علماء الصحابة ، حسبما يأتي في تراجمهم. (١)
هل تناول النبيّ القرآن كلّه بالبيان؟
عقد الأستاذ الذهبي بابا ذكر فيه الجدل بين فريقين ، يرى أحدهما : أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بيّن لأصحابه معاني القرآن كله إفرادا وتركيبا. ويترأس هذا الفريق أحمد بن تيميّة ، كان يرى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّن جميع معاني القرآن كما بيّن ألفاظه ؛ لقوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(٢) فإنه يشمل الألفاظ والمعاني جميعا. (٣)
والفريق الثاني ـ ويترأسهم الخويّي والسيوطي ـ : يرون أنّه لم يبيّن سوى البعض القليل ، وسكت عن البعض الآخر ، ثمّ فرض لهم دلائل ، أهمّها ما أخرجه البزّاز عن عائشة ، قالت : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يفسّر شيئا من القرآن إلّا آيا بعدد ، علّمه إياهنّ جبريل (٤).
وأسهب في النقض والإبرام ، وأخيرا نسب كلّا من الفريقين إلى المغالاة ، واختار هو وسطا بين الرأيين ـ فيما حسب ـ وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّن الكثير دون الجميع ، وترك ما استأثر الله بعلمه ، وما يعلمه العلماء ، وتعرفه العرب بلغاتها ،
__________________
(١) عند الكلام عن دور الصحابة في التفسير.
(٢) النحل / ٤٤.
(٣) راجع : مقدمته في أصول التفسير ، ص ٥ ـ ٦.
(٤) تفسير ابن كثير ، ج ١ ، ص ٦. وتفسير الطبري ، ج ١ ، ص ٢٩.