الروّاد من كل صوب. وكان أشهر هذه المدارس ـ حسب شهرة مؤسّسيها ـ خمسة :
١ ـ مدرسة مكّة : أقامها عبد الله بن عباس ، يوم ارتحل إليها عام الأربعين من الهجرة ؛ حيث غادر البصرة وقدم الحجاز ، بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكان واليا من قبل الإمام ، فلم يتصدّ ولاية بعده ، عاكفا على أعتاب حرم الله ، يؤدّي رسالته هناك في بثّ العلوم ونشر المعارف التي تعلّمها وأخذها عن الإمام عليهالسلام. وقد دامت المدرسة مدّة حياته حتى عام ثمانية وستين ؛ حيث وفاته بالطائف ، رضوان الله عليه.
وقد تخرّج من هذه المدرسة أكبر رجالات العلم في العالم الإسلامي حينذاك ، وكان لهذه المدرسة ولمن تخرّج منها صدى محمود في أرجاء البلاد ، وبقيت آثارها الحسنة سنّة متبعة بين العباد ، ولا تزال. ولعلّ أعلم التابعين بمعاني القرآن هم المتخرّجون من مدرسة ابن عباس والمتعلمون على يديه.
قال ابن تيميّة : وأما التفسير فإنّ أعلم الناس به أهل مكة ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس ، كمجاهد وعطاء وعكرمة. وغيرهم من أصحاب ابن عباس كطاوس وأبي الشعثاء وسعيد بن جبير وأمثالهم. وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود. ومن ذلك تميّزوا به على غيرهم (١).
٢ ـ مدرسة المدينة : قيامها على الصحابة الموجودين بها ، ولا سيما أبيّ بن كعب الأنصاري سيّد القراء. كان من أصحاب العقبة الثانية ، وشهد بدرا والمشاهد كلها. قال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليهنك العلم ، أبا المنذر.
__________________
(١) مقدمته في أصول التفسير ، ص ٢٣ ـ ٢٤ (المطبعة السلفية ١٣٨٥)