ما أرى ، إلّا أنك لست بنبيّ ولكنّك لوزير. وأنك لعلى خير ...» (١)
وأما عبد الله بن مسعود ، فهو من السابقين في الإيمان ، وأوّل من جهر بالقرآن بمكّة ، وأسمعه قريشا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوذي في الله من أجل ذلك. وكان قد أخذه رسول الله إليه ، فكان يخدمه في أكثر شئونه ، وهو صاحب طهوره وسواكه ونعله ، ويلبسه إيّاه إذا قام ، ويخلعه ويحمله في ذراعه إذا جلس ، ويمشي أمامه إذا سار ، ويستره إذا اغتسل ، ويوقظه إذا نام ، ويلج داره بلا حجاب ، حتى لقد ظنّ أنه من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
هاجر الهجرتين ، وصلّى إلى القبلتين ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله.
كان من أحفظ الناس لكتاب الله ، وكان رسول الله يحبّ أن يسمع القرآن منه ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا طريّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد».
وكان حريصا على طلب العلم ولا سيّما معاني آيات القرآن الكريم ، قال : كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات ، لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ ، ومن ثم كان يقول : والذي لا إله غيره ، ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت ، كما كان شديد الحرص أيضا على بثّ العلم ونشره بين العباد.
قال مسروق بن الأجدع : كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدّثنا فيها ويفسّرها ، عامّة النهار ، وقد أذعن له عامة صحابة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالفضيلة والعلم بالكتاب والسنّة. (٢)
__________________
(١) الخطبة ، رقم ١٩٢ ، النهج ، ج ١ ، ص ٣٩٢ ـ ٣٩٤.
(٢) حلية الأولياء ، ج ١ ، ص ١٢٤ ـ ١٣٩. وأسد الغابة ، ج ٣ ، ص ٢٥٦ ـ ٢٦٠ والاستيعاب بهامش الإصابة ، ج ٢ ، ص ٣١٦ ـ ٣٢٤ والإصابة ، ج ٢ ، ص ٣٦٨ ـ ٣٧٠.