فكانت مغبّة هذه النعرات المعارضة أن حالت دون تحقيق المشروع وأوقفته وشيك تنفيذه. وقام النحّاس پاشا بحلّ المشكلة شكليّا ، فقرّر ترجمة تفسير جديد للقرآن دون ترجمة نفسه ؛ وبذلك حاول إرضاء كلا الفريقين ظاهريّا ، وتخلّص بنفسه عن خوض المعركة ، فانتهت بهذا الشكل الاسمي الباهت! (١).
مناقشات فقهيّة
سبق أنّ فقهاء الإماميّة متّفقون على أنّ الترجمة ليست قرآنا ، ذلك الكتاب العلي الحكيم ، الذي لا يمسّه إلّا المطهّرون. فبالتالي لا تجري عليها الأحكام الخاصة بالقرآن ، التي منها جواز القراءة بها في الصلاة. وقد عرفت كلام المحقق الهمداني : عدم إجزاء الترجمة عن القراءة في الصلاة ، حتى للعاجز عن النطق بالعربية. وهذا إجماع من علمائنا ـ قديما وحديثا ـ أن الترجمة ليست قرآنا إطلاقا.
أما سائر المذاهب ، فقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءة الترجمة بدلا عن القرآن نفسه ، مطلقا سواء أقدر على العربية أم عجز عنها ، واستدل على ذلك بأن القرآن الواجب قراءته في الصلاة ، هي حقيقة القرآن ومعناه الذي نزل على قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(٢) ، (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٣) ، والضمير في «أنه» ، والإشارة في «إنّ هذا» إنما هو للقرآن ، ومعلوم أنه لم يكن في تلك الصحف إلّا معانيه.
__________________
(١) راجع : مجلّة الرابطة العربيّة المصرية. صفر وربيع الأول سنة ١٣٥٥ ه. ق. يونيو سنة ١٩٣٦ م.
(٢) الشعراء / ١٩٦.
(٣) الأعلى / ١٨ ـ ١٩.