تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(١) ، فحاشا ابن عباس أن يراجع أهل الكتاب ، وحاشاه حاشاه!!
استعمال الرأي والاجتهاد
وهل استعمل ابن عباس رأيه في تفسير القرآن؟
إذا كان المراد من الرأي ، ما انتجه الفكر والاجتهاد بعد تمام مقدماته المعروفة ، فأمر طبيعي لا بدّ منه ، ولا يستطيع أحد محايدته ، إنما هو شيء كان عليه الأصحاب والعلماء من التابعين لهم بإحسان.
كان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير ، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى القرآن ذاته أولا ، وإلى ما وعوه من أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقواله في بيان معاني القرآن ، ثم إلى ما يفتح الله به عليهم من طريق النظر والاجتهاد ، مع الاستعانة في ذلك بمعرفة أسباب النزول ، والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن ، بالإضافة إلى توسّعهم في المعارف ، ولا سيّما مثل ابن عباس ، كان متوسعا في علومه فيما يتعلق بمواقع النزول وأنحائه ، ومعرفته بالأحكام والتاريخ والجغرافية ، حسبما مرّ عليك.
فالرأي المستند إلى مثل هذه المقدمات المعروفة المتناسبة بعضها مع البعض ، رأي ممدوح وأمر طبيعي ، ليس ينكر البتة.
هذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عباس في التفسير ، لم يحد عن مناهج سائر الصحابة النبهاء. وقد ساهمت ثقافته العميقة في كثير من جوانب المعرفة ، على أن يتألّق في منهجه ، كما ساعده على ذلك ـ إضافة على ما ذكرنا ـ تبحّره في
__________________
(١) الصف / ٣ و ٢.