موقف ابن عباس من أهل الكتاب عموما ، ومن كعب الأحبار خصوصا ، ما يصوّره معتزّا بدينه كريما على نفسه وثقافته.
يروى أنّ رجلا أتى ابن عباس يبلغه زعم كعب الأحبار : أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنّهما ثوران عقيران فيقذفان في النار! فغضب ابن عباس وقال : كذب كعب الأحبار ، كذب كعب الأحبار ، كذب كعب الأحبار ، بل هذه يهوديّة يريد إدخالها في الإسلام (١).
يقال : لما بلغ ذلك كعبا ، اعتذر له بعد وتعلّل (٢).
وربما كان كعب يجالس ابن عباس يحاول مراودته العلم فيما زعم ، فكان ابن عباس يجابهه بما يحطّ من قيمته. روي أنه ذكر الظلم في مجلس ابن عباس ، فقال كعب : إني لا أجد في كتاب الله المنزل (يريد التوراة) (٣) أن الظلم يخرّب الديار ، فقال ابن عباس : أنا أوجدكه في القرآن ، قال الله عزوجل : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٤).
هذه حقيقة موقف ابن عباس من اليهود كما ترى ، وهو إذ كان يدعو إلى تجنّب الرجوع إلى أهل الكتاب ، لما يدخل بسبب ذلك من فساد على العقول وتشويه على العامة ، فكيف يا ترى أنه كان يرجع إليهم رغم نهيه وتحذيره! وهل لا طرق سمعه ، وهو الحافظ لكلام الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا
__________________
(١) العرائس للثعالبي ، ص ١٨. (مناهج في التفسير ، ص ٢٩)
(٢) المصدر نفسه ، ص ٢٤.
(٣) حسب التصريح به في الرواية : كتاب الله المنزل ، يعني التوراة (راجع : ابن قتيبة في عيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٤٦ ، س ١٣)
(٤) عيون الأخبار لابن قتيبة ، ج ١ ، ص ٢٦ (مناهج ، ص ٣٩) ، النمل / ٥٢.