الأمر الذي يحفز بنا أن نجعل من الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام محورا أساسيا في هذا الحقل ، وميزانا يفصل بين الصالح والطالح من الصحابة والتابعين ـ الفقهاء والمفسّرين والمحدّثين ـ وليس ذلك منّا بدعا ، بعد ما جعله الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بابه الذي منه يؤتى ، وسفينة النجاة ، وثاني الثقلين اللذين ما أن تمسّكت الأمّة بهما معا (ولن يفترقا حتى يردا عليه الحوض) لن يضلّوا أبدا.
ولسنا نأخذ العلم إلّا ممن عرفنا صلاحه ووثقنا بإيمانه الصادق. تلك وصية إمامنا أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام قال في قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ)(١) : «إلى العلم الذي يأخذه عمّن يأخذه» (٢).
وهكذا أبيّ بن كعب الأنصاري الخزرجي ، هو أوّل من كتب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند مقدمه المدينة ، وكان قد لقّب بسيّد المسلمين ؛ لشرفه وفضله وعلوّ منزلته في العلم والفضيلة ، كما لقّب بسيّد القرّاء ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وأقرؤهم أبيّ بن كعب». وكان هو الذي تولّى رئاسة لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان ، عند ما عجز القوم الذين انتدبهم الخليفة لذلك ، ولم يكونوا أكفّاء ، حسبما أسلفنا.
وعنه في التفسير الشيء الكثير ، والطرق إليه متقنة أيضا.
قال جلال الدين : وأما أبيّ بن كعب ، فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه ، وهذا إسناد صحيح. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا ، وكذا الحاكم في مستدركه ، وأحمد في
__________________
(١) عبس / ٢٤.
(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٩ ، رقم ٤٤.