يجعلهم على خوف الفناء ؛ حيث يرون أنهم في تنقيص ، والأخذ من جوانبهم تدريجا ، وهذا نظير ما ورد في آية أخرى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها)(١) وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ)(٢).
وأيضا أخرج أبو عبيدة من طريق مجاهد عن عبد الله بن عباس ، قال : كنت لا أدري ما «فاطر السماوات» حتى أتاني أعرابيّان يتخاصمان في بئر. فقال أحدهما : أنا فطرتها ، والآخر يقول : أنا ابتدأتها ... (٣)
قال الذهبي : فإذا كان عمر بن الخطاب يخفى عليه معنى «الأبّ» ومعنى «التخوّف» ، ويسأل عنهما غيره ، وابن عباس ـ وهو ترجمان القرآن ـ لا يظهر له معنى «فاطر» إلّا بعد سماعه من غيره ، فكيف شأن غيرهما؟! لا شكّ أنّ كثيرا منهم كانوا يكتفون بالمعنى الإجمالي للآية : فيكفيهم ـ مثلا ـ أن يعلموا من قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) أنه تعداد للنعم التي أنعم الله بها عليهم ، ولا يلزمون أنفسهم بتفهّم معنى الآية تفصيلا ، ما دام المراد واضحا جليّا (٤).
المفسّرون من الأصحاب
اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة ، لا خامس لهم في مثل مقامهم في العلم بمعاني القرآن ، وهم : عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وكان رأسا وأعلم الأربعة ، وعبد الله
__________________
(١) الأنبياء / ٤٤. ونظيرتها آية أخرى في سورة الرعد / ٤١ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ...).
(٢) البقرة / ١٥٥.
(٣) الإتقان ، ج ٢ ، ص ٤ (ط ٢) وج ١ ، ص ١١٣ ، (ط ١)
(٤) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٣٥.