قال : ولم ينقل إلينا عنهم تفسير القرآن وتأويله بجملته ، فنحن نحتاج إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة ؛ لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم ، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير.
قال : ومعلوم أن تفسير القرآن يكون بعضه من قبيل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها ، وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض ؛ لبلاغته ولطف معانيه ؛ ولهذا لا يستغنى عن قانون عام يعوّل في تفسيره عليه ، ويرجع في تفسيره إليه ، من معرفة مفردات ألفاظه ومركّباتها ، وسياقه ، وظاهره وباطنه ، وغير ذلك مما لا يدخل تحت الوهم ، ويدقّ عنه الفهم.
بين أقداحهم حديث قصير |
|
هو سحر ، وما سواه كلام |
وفي هذا تتفاوت الأذهان ، وتتسابق في النظر إليه مسابقة الرّهان. فمن سابق بفهمه ، وراشق كبد الرمية بسهمه ، وآخر رمى فأشوى (١) وخبط في النظر خبط عشواء ، كما قيل : وأين الرقيق من الركيك ، وأين الزلال من الزعاق. (٢)
الفرق بين التفسير والتأويل
كان التأويل في استعمال السلف مترادفا مع التفسير ، وقد دأب عليه أبو جعفر الطبري في جامع البيان. لكنه في مصطلح المتأخرين جاء متغايرا مع التفسير ، وربما أخصّ منه.
التفسير ـ كما عرفت ـ : رفع الإبهام عن اللفظ المشكل ، فمورده : إبهام المعنى
__________________
(١) يقال : أشوى الرّجل ، إذا أصاب شواه ، ولم يصب مقتله. والشوى : قحف الرأس وجلدته. وأشوى السهم : أخطأ الغرض.
(٢) البرهان في علوم القرآن ، ج ١ ، ص ١٣ ـ ١٥. والزعاق : الماء المرّ ، لا يطاق شربه.