ولا شك أن عرض مفاهيم القرآن وحقائقه الناصعة ، على ذوي الأحلام الراجحة من سائر الأمم ، من أنجح الوسائل في أداء رسالة الله إلى الخلق ، التي تحمّلتها عواتق هذه الأمة (١) ، الأمر الذي لا يمكن إلّا بتبيين وترجمة النصوص الإسلامية ـ كتابا وسنة ـ وعرضها بألسن الأمم ولغاتهم المألوفة (٢). ومن ثم كانت ترجمة القرآن ترجمة صحيحة ، ضرورة دعائية يستدعيها صميم الإسلام وواقع القرآن ، حسبما يأتي.
المنع من الترجمة وأخطارها
لم تسبق من علماء الإسلام نظرة منع من ترجمة القرآن ، بعد أن كانت ضرورة دعائية ، لمسها دعاة الإسلام من أوّل يومه. وإنما حدث القول بعدم الجواز في عصر متأخّر (في القرن الماضي ، في تركيا العثمانية ، وفي مقاطعاتها العربية ، مثل سوريا ومصر) ولعلها فكرة استعمارية تبشيريّة ، محاولة لشدّ حصار قلعة الإسلام ، دون نشره وبثّ تعاليم الإسلام ، في المناطق غير العربية.
قال الدكتور علي شواخ : فلو تدبّرنا وتعمّقنا لوجدنا أنّ القول بالمنع عاصر فتوى النصارى الغربيّين واستعمارهم لبلاد الإسلام ، فقد حاولوا تنصير المسلمين بكل وسيلة ، ولم يكتفوا بإرسال المبشّرين في شتّى الملابس ، بل منعوا أيضا تدريس اللغة العربية حتى في المستعمرات العربيّة مثل شمال إفريقيّة. والظاهر أنهم ارادوا إتمام حصار قلعة الإسلام بمنع تراجم القرآن بلغات أجنبيّة ، فالمسلمون غير العرب لا يعرفون العربية ، ولن يجدوا تراجم القرآن بلغات
__________________
(١) البقرة / ١٤٣.
(٢) إبراهيم / ٤.