يعرفونها ، فتبقى الساحة فارغة للديانات الأخرى. قال أحد المبشّرين (وبتعبير أصحّ : أحد المنصّرين) لبعض علماء الإسلام الساذجين : «القرآن معجزة حقّا ، لا تتحمّل بلاغته الترجمة!». فوثب هذا العالم الساذج ـ لشدّة السرور ـ وقال : «الفضل ما شهدت به الأعداء!» وخطب وكتب : «القرآن تصعب أو تستحيل ترجمته» ، وتبعه آخرون ، وفي الخطوة الثانية قالوا : «القرآن لا تجوز ترجمته».
ولكن الإنسان يدبّر ، والله يقدّر. فالنصارى الذين دسّوا هذه الفكرة ، ظنّوا أنّ العرب سوف لا يقومون بترجمة القرآن ، ولقد صدق ظنّهم بشأن العرب. أما سائر المسلمين من غير العرب ، فإن التاريخ يشهد بأنهم اهتمّوا بهذا الأمر ، فقاموا بالترجمة إلى لغاتهم على يد علماء كانوا عارفين بالعربيّة ، فترجموه إلى لغاتهم لتدريس أبنائهم وعامّة أهل بلادهم الذين لم يدرسوا العربيّة (١).
قال الدكتور شواخ : وهكذا يتّضح لنا ، أنّ الحركة ضد ترجمة القرآن إلى سائر اللغات ، انحصرت في بلاد العرب ، وبالدولة العثمانية خاصّة! (٢) وعلى هذا الغرار ساق الأستاذ الشاطر ـ رأس المعارضين ـ أدلّة في المنع عن الترجمة ، وذكر أخطارا سوف تتّجه نحو حامية الإسلام الحصينة (القرآن الكريم) إن أصبح عرضة للترجمة إلى لغات أجنبيّة ، نذكر أهمها :
١ ـ يقول : إن الترجمة تضيع بالقرآن ، كما ضاعت التوراة والإنجيل من جرّاء ترجمتهما إلى غير لغتهما الأصل ، فقد ضاع الأصل بضياع لغته وضياع الناطقين بها. فيخشى أن يحلّ بالقرآن ـ لا سمح الله ـ لو ترجم إلى غير لغته ، ما حلّ بأخويه
__________________
(١) وسيوافيك ـ في نهاية المقال ـ جدول عن مائة وثماني عشرة لغة حيّة ترجم القرآن إليها ، على يد أبنائها الغيارى على الإسلام ، ولا تزال تتزايد مع اتساع رقعة الزمان.
(٢) معجم مصنفات القرآن الكريم للدكتور علي شواخ إسحاق ، ج ٢ ، ص ١٣.