من ذي قبل! (١)
قلت : هذا قياس مع الفارق ؛ إذ السبب في ضياع التوراة وكذا الإنجيل ، إنّما يعود إلى إخفاء الأصل عن العامة وإبداء تراجمهما المحرّفة للناس ، لغرض التمويه عليهم. كان الأحبار والقساوسة يدأبون في تحريف تعاليم العهدين تحريفا في معاني الكلم دون نصّ اللّفظ ؛ إذ لم يكن ذلك بمقدورهم ، فعمدوا إلى تفسيرهما على غير وجهه ، وإبداء ذلك إلى الملأ باسم التعاليم الإلهية الأصيلة.
قال تعالى ـ بشأن التوراة ـ : (الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً ...)(٢) ، أي تبدون منه مواضع وتخفون أكثره.
وقد أسبقنا ـ في مسألة تحريف الكتاب ـ أنّ التحريف في العهدين إنّما يعني التحريف في معناهما ؛ أي التفسير على غير وجهه ، الأمر الذي حصل في تراجم العهدين دون نصّهما.
قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)(٣) وقال : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٤).
فالكارثة كل الكارثة إنما هي في إخفاء نصّ العهدين الأصليين عن أعين الناس ، وهذا هو السبب الوحيد لضياعهما ، دون مجرد ترجمتهما.
__________________
(١) القول السديد ، ص ١٥ ـ ١٦.
(٢) الأنعام / ٩١.
(٣) المائدة / ٦٨.
(٤) آل عمران / ٩٣.