لا نسخ ولا تحريم
وبعد ، إذ عرفت أنّ القوم لم يكد أن يصدّقوا منع عمر ذاته لشريعة سنّها الكتاب والسنّة ، التمسوا لتبرير موقفه ذاك معاذير وتعاليل ، لا تكاد تشفي العليل ولا تروي الغليل.
قال الشيخ محمد عبده : والعمدة عند أهل السنّة في تحريمها وجوه :
أوّلها : ما علمت من منافاتها لظاهر القرآن في أحكام النكاح والطلاق والعدّة ، إن لم نقل لنصوصه.
ثانيها : الأحاديث المصرّحة بتحريمها تحريما مؤبّدا إلى يوم القيامة ، وقد جمع متونها وطرقها مسلم في صحيحه.
ثالثها : نهي عمر عنها في خلافته ، وإشادته بتحريمها على المنبر ، وإقرار الصحابة له على ذلك.
قال : وكان إسناد التحريم إلى نفسه (أنا محرّمهما) فمجاز ، ومعناه : أنه مبيّن لتحريمهما.
وقد شاع مثل هذا الإسناد ، كما يقال : حرّم الشافعي النبيذ وأحلّه أو أباحه أبو حنيفة. لم يعنوا إنهما شرّعا ذلك من عند أنفسهما ، وإنما يعنون أنهم بيّنوه بما ظهر لهم من الدليل. قال : وقد كنّا قلنا : إن عمر منع المتعة اجتهادا منه ، ثم تبيّن لنا أن ذلك خطأ ، فنستغفر الله منه (١).
ولننظر في هذه البنود باختصار :
أما التنافي مع ظاهر الكتاب أو نصّه ، فلم يتبيّن وجهه بوضوح ؛ إذ المتمتّع بها زوجة عند القائل بها ، ولها أحكام تغاير أحكام الدائمة ، فطلاقها انقضاء أجلها ،
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٥ ، ص ١٥ ـ ١٦.