بسم الله الرحمن الرحيم
تظلّ الحاجة قائمة إلى تفسير القرآن الكريم بوصفه دستور الإسلام الرفيع ، ومعجزة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الخالدة لأسباب عرضها هذا الكتاب. من هنا كان الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّل من تولّى تفسيره عبر إعداده ثلّة من الصحابة الأكفاء الذين كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أكثرهم تألّقا. ويليه عبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وكانت لهؤلاء معرفة ملحوظة في تفسير القرآن.
وازدادت الحاجة إلى تفسير القرآن الكريم أكثر فأكثر بعد وفاة النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بسبب البعد عن زمن نزول الوحي ، واتّساع نطاق الفتوحات الإسلامية ، وبروز مسائل علمية جديدة. فتوزّع عدد من الصحابة على الأمصار ، فاستقرّ عبد الله بن عباس بمكة ، وعبد الله بن مسعود بالكوفة ، وأبيّ بن كعب بالمدينة وأبو موسى الأشعرى بالبصرة ، وأبو الدرداء بالشّام. وألقى هؤلاء دروسهم في تفسير القرآن ، وجهدوا في سبيل ذلك ، فأثمرت مساعيهم من خلال إعداد شريحة من التابعين ، وظهور مدارس تفسيرية متنوّعة.
وهكذا انتقل التراث الثمين لتفسير القرآن الكريم من التابعين إلى تابعي التابعين ... وحفظته الصدور وتناقلته الألسن إلى أن حان تدوين أوّل التفاسير ، فأشرق فصل جديد في عرض المعارف القرآنية السامقة للأجيال القادمة ، وظهرت أساليب مختلفة في التفسير.
واضطلع التوّاقون إلى القرآن الكريم بتدوين مئات التفاسير ـ كاملة كانت أم ناقصة ـ رغبة منهم في خدمة هذا الكتاب المقدّس بعد أن تجشّموا عناء كبيرا على تواتر الأيّام ، وبعد أن شهد العالم الإسلامي انبثاق مدارس فكرية متنوّعة في حقل الفلسفة ، والكلام ، والعرفان ، والتصوف ، وشهد ظهور المعتزلة ، والأشاعرة. ولعلّ تعرّف الأمم والشعوب على الإسلام ورغبتها في رسالة هذا الدين فرضا ضرورة