فيسلم لقوله وقد استدرجه الإمام لهذه الحقيقة الفقهية الأخيرة بعد أن كان شاكا بها أو بمفهومها وقد وضّحها له وفهّمه إياها ، وكذلك هي مناظرات العلماء الأعلام على مر الزمن تحمل في طياتها الموضوعية والبحث العلمي الرصين.
المناظرة الرابعة : مع هشام بن عبد الملك (ت : ١٢٥ ه) (١)
كان الإمام الباقر (عليهالسلام) إذا دخل مكة المكرمة انثال عليه الناس يستفتون عن أهم مسائل الحلال والحرام ويستفتحون أبواب مشاكل العلوم ويغتنمون فرصة الاجتماع به ليزودهم بعلومه ، وإذا أقام بمكة عقدت له حلقة ينضم إليه طلاب العلم فروي أن هشام بن عبد الملك حج فنظر إلى اجتماع الناس حوله وحضور العلماء عنده فثقل عليه ذلك ، فأرسل رجلا من أصحابه وقال له : قل له يقول لك أمير المؤمنين : ما الذي يأكله الناس ويشربه في المحشر إلى أن يفصل الله بينهم يوم القيامة؟ فلما سأله الرجل ، قال له الإمام الباقر (عليهالسلام) : يحشر الناس على مثل قرص النقى فيها أشجار وأنهار ، يأكلون ويشربون منها حتى يفرغوا من الحساب ، فقال هشام للرسول : اذهب إليه فقل له يقول : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال الإمام الباقر (عليهالسلام) : هم في النار أشغل ، ولم يشتغلوا على أن قالوا (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ)(٢).
فسكت هشام ولم يظفر بما أراد من سؤاله للإمام فإنه سؤال امتحان لا استفادة (٣).
وقد جرت بينهما مناظرة أخرى أيضا حينما أرسل إليه هشام ليأتيه إلى الشام وقد رواها الإمام الصادق لم نذكرها هنا لطولها (٤) ، فاكتفينا بهذه المناظرة.
__________________
(١) هو هشام بن عبد الملك بن مروان من خلفاء بني أمية في الشام ، ولد في دمشق سنة (٧١ ه) ، وبويع له بعد وفاة أخيه يزيد سنة (١٠٥ ه) وخرج عليه زيد بن علي (رضي الله عنه) بالكوفة فوجه إليه من قتله ، توفي سنة (١٢٥ ه) وكان أحول ، أخباره في كتب التاريخ عامة كالطبري وابن الأثير والمسعودي وغيرها.
(٢) الأعراف / ٥٠.
(٣) ظ : مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم : الورقة ١٨٥+ مرآة الجنان ، اليافعي ، ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.
(٤) ظ : تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي ، ١٩١+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٦+ المشرع الروي ، الشلي ، ١ / ٣٧.