المبحث الأول
تفسير القرآن بالقرآن
إن القرآن الكريم بنيان إلهي متكامل ، ونص سماوي مترابط يتوقف بعضه على بعض ويفسر بعضه بعضا ، وإن ثلة من آياته قد لا يتوصل إلى فهمها فهما خالصا إلا بعد الوقوف في موضع آخر من نفس السورة أو في سورة أخرى على معناها باعتباره كتابا مقدسا ، ولقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى هذه الحقيقة كما في قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(١) ، وقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ)(٢).
لذلك قال الشاطبي : إن القرآن كالسورة الواحدة (٣) ، وورد عن ابن عباس (رضي الله عنه) إنه قال : القرآن يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه على بعض (٤) ، إذن ففيه المجمل والمبين لذلك المجمل وفيه العام ومخصصه وفيه المطلق ومقيده وفيه الخاص الذي هو قطعي الدلالة غالبا وما كان منه ظنيا فبيانه بالسنة الشريفة ، فعند النظر للقرآن الكريم والتدبر في معانيه نجد أن بعضه يفسر بعضا كما قال العلماء (٥) ، فكان أول ما يجب أن ينتبه إليه المفسر للقرآن الكريم هو الرجوع إلى القرآن نفسه والتأسيس على آياته لكي يصل إلى المعنى المراد ، ويكون قوله أقرب إلى مراد الله تعالى من كلامه فصار بذلك تفسير القرآن بالقرآن أصح الطرق وأنجحها ، يقول الزمخشري : أسد المعاني ما دلّ عليه القرآن (٦) ، وقال ابن تيمية : إن أصح طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر
__________________
(١) النساء / ٨٢.
(٢) الزمر / ٢٣.
(٣) الموافقات ، الشاطبي ، ٣ / ٢٥٤.
(٤) جامع البيان ، الطبري ، ٣ / ٢١٠+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ٤ / ٧٦.
(٥) ظ : الكشاف ، الزمخشري ، ٢ / ٤٣٠+ مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ٩٣.
(٦) الكشاف ، الزمخشري ، ٢ / ١٩٣.