وما اختصر في مكان قد بسط في موضع آخر (١) ، فالآية القرآنية تزداد دلالتها وضوحا وتبيانا بالاستعانة بآية أخرى وتظهر دلالتها على المعنى المراد في ربطها بآية تشابهها ، فالقرآن يكاد يكون سلسلة تامة يأخذ بعضه برقاب بعض (٢).
وهذا النوع من التفسير لا يجوز ردّه ويجب الأخذ به لأن الله تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره وأصدق الحديث كتاب الله ، وأن أول من نبّه على هذا النوع من التفسير هو الرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله) عند تفسيره لقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(٣) وقد سار على هذا المنهج جملة من الصحابة أمثال الإمام علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم وغيرهم.
وقد كان للإمام الباقر معالم واضحة ودلالات بينة في سلوك هذا المنهج التفسيري الراقي ، وكان اعتماده عليه بارزا في تفسيره للقرآن الكريم ، حتى غدا أهم سمة لمنهجه في التفسير ، وهذه خصيصة لا تتهيأ إلا لمن كان متبحرا بمقاصد الآيات ومعانيها ، ومتميزا بفطنة واسعة في فهمها وإدراك أسبابها ، وكيف لا يتأتى ذلك للإمام الباقر وقد نشأ ودرج في آل البيت ومعدن الرسالة ومهبط الوحي وفيما يأتي تطبيقات لهذا العرض من تفسيره والتي بلغت وفق المنهج الاستقرائي الذي أجريناه (١٨٦ شاهدا) ، أذكر منها :
١ ـ روي بسند صحيح عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين سأل أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول الله (عزوجل) : (... بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٤) فقال أبو جعفر : إن الله (عزوجل) ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السموات والأرض ولم يكن قبلهن سماوات وأرضون ، أما تسمع قولة تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٥)(٦).
__________________
(١) مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ٩٣+ التفسير الكبير ، الرازي ، ٢ / ٢٣١.
(٢) ظ : القرآن المجيد ، محمد عزت دروزة ، ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٣) الأنعام / ٨٢.
(٤) البقرة / ١١٧.
(٥) هود / ٧.
(٦) الشافي في شرح أصول الكافي الشيخ عبد الحسين المظفر ، ٧ / ٢٢٧+ تفسير القرآن ، علي بن إبراهيم القمي ، ١ / ٥٤٥+ مجمع البيان الطبرسي ، ٤ / ٤٤٣+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٠٠.