رابعا : في قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١) قال الطبرسي : أولوا العزم من الرسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه ، وهم خمسة ، أولهم : نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) ، عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر (٢).
وقال الإمام الباقر : وهم سادة النبيين وعليهم دارت رحى المرسلين (٣).
اختلف العلماء في مسميات أولي العزم من الرسل على عشرة أقوال ذكرها جميعا ابن الجوزي (٤) والقرطبي (٥) دون أن يرجحا قولا ، واختار الزمخشري (٦) والبيضاوي (٧) كل واحد منهما قولا يخالف ما اختاره الآخر غير أنه لم يكن أي منهما موافقا لقول الإمام الباقر.
وأعرض ابن كثير عن ذلك تلك الأقوال واختار ما قاله الإمام الباقر وما روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء من أن أولي العزم هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء كلهم محمد (صلىاللهعليهوآله) وقال : قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى (٨).
ويتضح من قول ابن كثير أنه قد رجح ما كان الدليل عليه من القرآن الكريم ، ويرجح الباحث ما مال إليه ابن كثير من جهة وأن في الآية تسوية بين النبي محمد (صلىاللهعليهوآله) وأولي العزم من جهة أخرى ، أوضح فيها الإمام الباقر هذا المصطلح القرآني بأنهم أصحاب الشرائع السماوية والذي جعل من ملازماتها أن كل شريعة لا حقة تنسخ الشريعة السابقة.
__________________
(١) الأحقاف / ٣٥.
(٢) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ٩٤.
(٣) مقتنيات الدرر ، الحائري ، ١٠ / ٤٣٠.
(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٧ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٦ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(٦) الكشاف ، الزمخشري ، ٤ / ٣١٣.
(٧) أنوار التنزيل ، البيضاوي ، ٤ / ١٤٦.
(٨) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٦ / ٣٠٧ مشيرا في الآيتين إلى قوله تعالى : ... وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... الأحزاب / ١٧ وقوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى الشورى / ١٣.