وقد أشبعت هذه المسألة بحثا في مكان آخر في هذه الرسالة بيّنت خلاله أقوال جملة من المفسرين وآرائهم في معنى الكرسي وصوبنا قول الإمام الباقر (عليهالسلام) هناك وقول ابن عباس.
٥ ـ في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(١). اختلف في معنى الآية على أقوال :
ـ عن ابن عباس ومجاهد والثوري : إلا ما أريد به وجهه (٢).
ـ وفي رواية عن مجاهد إنه : علم العلماء إذا أريد به وجه الله (٣).
ـ وعن غير واحد : إلا هو (٤) ، أي : ذاته المقدسة.
ـ عن الإمام الباقر (عليهالسلام) : يعني : كل شيء هالك إلا دينه (٥).
ويؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر (عليهالسلام) قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٦) وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)(٧) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(٨).
وإن الحتميات التاريخية ليس لها سبيل إلا الطريق الاعتقادي ، وإلا فإنّ العلم لا يخبر عن المستقبل إلا عن طريق التنبؤ ، لكن الطريق الاعتقادي كالقرآن الكريم الذي قام الدليل العقلي على أنه من عند الله العليم بمخلوقاته علما أزليا ، سرمديا ، يخبرنا بهلاك كل الأفكار والأديان في آخر الزمان إلا ما أريد به وجهه تعالى ، وقد دلت الآيات الكريمة على أنه لن ينال رضا الله تبارك وتعالى إلا من آمن بالإسلام وعمل بالأركان ولذلك يؤسس قول الإمام الباقر (عليهالسلام) لبنة في نظرية شمولية للحتميات التاريخية المستفادة من القرآن الكريم.
__________________
(١) القصص / ٨٨.
(٢) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٦ / ٢٥٢+ مدارك التنزيل ، النسفي ، ٣ / ٢٤٩.
(٣) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير الدمشقي ، ٥ / ٣٠٦.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٣ / ٣٢٢.
(٥) تفسير القرآن ، علي بن إبراهيم القمي ، ٢ / ٨٧+ التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٧ / ١٦٥.
(٦) التوبة / ٣٣.
(٧) آل عمران / ١٩.
(٨) آل عمران / ٨٥.