واعلم أنه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف عاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك للدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الأمل ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالإنصاف ، ولا تعدي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كأداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم العقل كقلة اليقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذل كذل الطمع ، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة فإنه ميدان يجر لأهله الخسران (١).
حفلت هذه الوصية بجواهر الحكم وأضاءت جوانب كثيرة من مواهب الإمام الباقر (عليهالسلام) وعلمه ، ويحق لقائل أن يقول : لو لم تكن له غير هذه الوصية لكانت كافية في الاستدلال على ما يملكه الإمام أبو جعفر من طاقات علمية لا توصف ، فهو نظر إلى أعماق النفس الإنسانية وسبر أغوارها وحلل أبعادها وعرف ما ابتلي به الإنسان من الأمراض النفسية والأخلاقية من جهل وكبرياء وغرور وطمع وبعد أمل مما يدفعه إلى الإغراق في المعاصي واجتراح الآثام وسلوك طرق الضلالة ، ودرس الإمام الباقر (عليهالسلام) كل ذلك فوضع لكل واحد من تلك الأمراض والآفات علاجا مناسبا ووصف لكل منها دواء فاعلا يستطيع الإنسان بواسطته القضاء على تلك الأمراض إذا ما أخذ بهذه المجموعة المتراصة والمتكاملة من الوصايا التي صبت في قالب واحد ووصية واحدة وعمل بها فإنه سيعود إنسانا مثاليا مهذبا قد صان نفسه واتصل بخالقه تبارك وتعالى.
__________________
(١) تحف العقول ، ابن شعبة الحراني ، ٢٨٤ ـ ٢٨٦.