ولا سبيل الى انتزاعهما من الافعال الذهنيّة وان تعلّق الطلب من الامر بالطبائع حال وجودها فى الذّهن فانّ المطلوب ليس تلك الماهيّات المتصوّرة والّا لما توقّف الامتثال على ايجاد تلك الطبائع فى الخارج ولا ريب انّ الطبيعتين متحدّتان وجودا وان اختلفتا مفهوما وبعبارة أخرى أنّ جهة اختلافهما وهى جهة ملاحظتهما فى الذّهن على وجه التّغاير لا مدخل لها فى اتّصافهما بالضدّين لانّ الضدّين على ما هو المفروض من الاوصاف الخارجيّة للماهيّة وجهة اتّحادهما وهى مقارنتهما فى الوجود الخارجىّ واتّحادهما فيه كما يكشف عنه حمل إحداهما على الاخرى يوجب المحذور المحال والحاصل انّ موارد انتزاع الوجوب والحرمة انّما هى الافعال الخارجيّة وبعد اتّحاد الموردين فى الوجود الخارجىّ يلزم وجود الضدّين فى ذلك الموجود الواحد وان كان بواسطة اجتماع الطّبيعتين وهو محال والّا لزم اتّصاف جسم واحد كزيد مثلا بالسّواد والبياض بواسطة اجتماع عنوانين موجودين فيه ككونه بغداديّا وكونه من بنى اسد مثلا لو فرضنا اقتضاء كلّ واحد منهما لاحد الوصفين قلت إنّي ارى انّ معنى وجود الطبيعى فى الخارج وانّه ليس الّا الفرد يحتاج الى بسط فى الكلام وان كان خارجا عن اصل المرام ولكنّ الّذى يهوّن الامر هو انّ البحث عن الحقيقة يدعو الى الخروج عن المقصود والامر سهل إن شاء الله الله تعالى وبعد ذلك نذكر ما عندنا من الجواب كى يستبين لك الحقّ والصّواب فنقول اعلم انّ المراد بالكلّى الطبيعىّ هو طبيعة الشّيء كطبيعة الضّرب فى قولك اضرب من غير اعتبار عنوان الكليّة فيه وهو معروض الكلّى المنطقىّ المعبّر عنه بالكليّة وما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين ومجموع العارض والمعروض يسمّى كليّا عقليّا وقد اختلفوا في وجود الكلّى الطبيعىّ فى الخارج فقيل بعدم قبوله الوجود كذلك وقيل بوجوده فى ضمن الفرد وقيل بوجوده بعين وجود الفرد وهذا هو المحكىّ عن المحقّقين بل عن جمهور الحكماء ومعنى عدم قبوله الوجود الخارجىّ هو انّ الموجود فى الخارج نفس الفرد من دون وجود الكلّى رأسا وهذا هو مراد التفتازانى بقوله والحقّ انّ وجود الطبيعىّ بمعنى وجود افراده ومعنى وجوده فى ضمن الفرد هو تركّب الفرد الخارجىّ من امرين الكلّى والعوارض الطارية عليه الموجبة للفرديّة فالفرد عند هذا القائل موجود بوجودين نظير السكنجبين وغيره من المركّبات الخارجيّة لا بوجود واحد من غير فرق على هذا القول بين كون الموجود فى ضمن كلّ فرد حصّة من حصص الكلّى او تمام الكلّى بان كان للكلّى بتمامه فى ضمن كلّ فرد وجود غير وجوده فى ضمن الآخر ومعنى وجوده بعين وجود الفرد هو انّ الكلّى بطروّ لباس الوجود الخارجى عليه يصير فردا فالفرد هو الكلّى الموجود فى الخارج والكليّة من عوارض وجوده الذّهنى والفرديّة من عوارض وجوده الخارجى ولا ينافى ذلك ما قدّمنا من انّ الطّبيعى معروض المنطقى نظر الى انّ الفرد جزئىّ حقيقىّ فيمتنع فرض صدقه على كثيرين فكيف يكون كليّا وذلك لانّ المراد بالطبيعىّ على ما عرفت هو طبيعة الشّيء كالضّرب والحيوان مع قطع النّظر عن الكليّة اذ الحيوان الكلّى هو الكلّى العقلىّ دون الطبيعىّ فاطلاق الكلّى عليه وكونه