انّ الدليل لا ينحصر فى حكم العقل بل تحريم تعريض النّفس للمهالك والمضارّ ممّا دلّ عليه الكتاب والسنّة الثاني انّ ما ذكره من ابتناء الامر على التّحسين والتقبيح غير ظاهر لانّه لو اغمضنا عن حكم العقل بالذاتى منهما فلا ريب فى حكمه بوجوب دفع الضرر المظنون بل المحتمل فانّه حكم الزامىّ اطبق العقلاء على الالتزام به ولا مدخليّة لاحد الحكمين فى ثبوت الآخر وبالجملة الظاهر انّ لزوم دفع الضّرر لا ربط له بمسألة التحسين والتقبيح وان استقلّ العقل فى كلّ منهما بالحكم والإدراك توضيحه أنّ حكم العقل يتصوّر على وجهين الاوّل ان يدرك الحسن والقبح فى ذات الشّيء ويحكم بعد ذلك حكما انشائيّا بنحو الالزام والفعليّة بوجوب الاجتناب عنه او وجوب الاشتغال به مثل تكليف الشارع وانشائه كادراك العقل حسن ردّ الوديعة ومطلق الاحسان وحفظ النّفس المحترمة وقبح الظلم وقتل النفس بغير حقّ الثّانى ان يحكم بوجوب الفعل او التّرك ارشادا وتبعا لاجل ادراك مصلحة الغير او عدم الوقوع فى المهلكة المترتّبة على الغير بمعنى انّه لا يدرك حسنا ولا قبحا فى الاشتغال بنفس الفعل ولا حكم ولا انشاء له فى حقّه اصلا وانّما يرشد العاقل الى الثمرة المترتّبة على الفعل والتّرك ويهديه الى غاياتهما وهذا ليس حكما انشائيّا بل ليس حكما اصلا فانّ الحكم عبارة عن الانشاء والالزام وليس هنا انشاء ولا الزام بل هو مجرّد الارشاد والهداية الى سبيل المطلوب الواقعى او الاجتناب عن المبغوض الواقعى كحكم العقل بشرب الدواء الّذى امر به الطّبيب فانّه لا يحكم بذلك حكما فعليّا مترتّبا على ادراك الحسن الثابت فى نفس هذا الفعل بل ربما كان الفعل بملاحظة نفسه مبغوضا ومنفورا كبعض الادوية وانّما يرشد العقل الى انّ غايته الوصول الى الشفاء والصحّة وكحكمه بوجوب مقدّمة الواجب وبحرمة مقدّمة الحرام وبوجوب ترك ضدّ المأمور به وبوجوب الاحتياط عند ثبوت التكليف وامكان الاحتياط وبوجوب الاطاعة وحرمة المعصية وكلامهم فى مسئلة الحسن والقبح فى الاوّل وفى المقام فى الثانى وهو محلّ وفاق غير قابل للانكار ولذا ترى المنكرين للحسن والقبح لا ينكرون وجوب المقدّمة والاحتياط والاطاعة فانّ وجوب الاطاعة من المستقلّات العقليّة وليس حكما نفسيّا وكذا استدلّ المتكلّمون بلزوم دفع الضّرر فى وجوب شكر المنعم وبالجملة حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون ليس الّا كحكمه فى الضّرر المقطوع وكحكمه بوجوب اتّباع القطع فكما انّ الحاجبى وامثاله لا ينكرون وجوب متابعة القطع عقلا وانّه بنفسه طريق الى الواقع وليس قابلا للجعل فكذلك ليس لهم انكار حكم العقل بوجوب دفع الضّرر فليس للحاجبى على تقدير الالتزام بمذهبه الفاسد من انكار التّحسين والتقبيح العقليّين انكار حكم العقل من الجهة الثّانية قوله