تناقض بيّن وما ذكره من انّ الانبعاث لا يحصل الّا بعد العلم بالموضوع الواقعى لا اشكال فيه لوضوح انّ العلم بالموضوع واقع فى سلسلة مقدّمات الإرادة واختيار الفعل الّا انّ هذا لا يخرجه عن الطريقيّة للواقع ولا يصيّره موضوعا على وجه الصفتيّة فى الإرادة وهذا واضح جدّا وبالجملة فبطلان احدى الدعويين كاف فى دفع هذا الوجه فكيف وبطلانهما معا فى غاية الوضوح ومنها انّ حسن الفعل وقبحه الموجب لتشريع الحكم كما يلحقان الفعل لجهات لا حقة به مقتضية لهما بشرط العلم كذلك قد يلحقان الفعل بمجرّد العلم فانّ القبيح قد يحسن لعلم الفاعل بحسنه والحسن قد يقبح لعلم الفاعل بقبحه فصفة تعلّق العلم بشيء تكون من الصّفات والعناوين الطّارية على ذلك الشّىء والمغيّرة لجهة حسنه وقبحه فالقطع بخمريّة ماء مثلا موجب لحدوث مفسدة فى شربه تقتضى قبحه فيكون الفعل قبيحا وكذلك القطع بوجوب شيء موجب لحدوث مصلحة فيه تقتضى حسنه فيكون الفعل حسنا ويستتبع بقاعدة التّلازم الحكم الشّرعى بوجوب الفعل او حرمته بلحاظ القطع به وجوبا او تحريما والدّليل على ذلك هو الرّجوع الى الوجدان فانّ الإنسان يرى نفسه اذا كان عبد المولى او كان له عبد مستحقّا للذّم والمؤاخذة من المولى او من عبده فيما تجرّى به على سيّده او تجرّى به عبده ويرى هذا الاستحقاق كالاستحقاق فى المخالفة القطعيّة ويتّضح ذلك ايضا من ملاحظة القاطع المنقاد فانّا نرى انّ مقابلته بالاحسان والمدح ليست كالإحسان والمدح بالنّسبة الى من لم يفعل شيئا حتّى يكون لمجرّد التّفضّل ففى المتجرّى مثله وعلى هذا التّقرير ايضا يكون المتجرّى عاصيا حقيقة والجواب اوّلا انّ الفعل الّذى حصل التجرّى والانقياد به لا يكاد يتفاوت حاله حسنا وقبحا عمّا هو عليه واقعا والعلم الطريقى المتعلّق بالفعل لا يؤثّر فيه بان يوجب حرمة ما ليس بحرام او وجوب ما ليس بواجب فى الواقع ولا يغيّر صفة الفعل وان قلنا انّ الحسن والقبح يعرضان له بالوجوه والاعتبارات لبداهة ان ليس كلّ وجه واعتبار يغيّر صفة الفعل والتّامّل الصادق شاهد بما قلنا وحال العلم الطريقى بالنّسبة الى الفعل كحال البصر فى المبصرات فكما انّه لا يؤثّر فيها فكذلك العلم لا يؤثّر فى المعلوم ولا يغيّره عمّا هو عليه من المصلحة والمفسدة وليس من قبيل الضّرر والنفع العارضين على الصّدق والكذب والمغيّرين لجهة الحسن والقبح والعلم بخمريّة ماء لا يوجب انقلابه عمّا هو عليه وصيرورته قبيحا فالحسن والقبح الملاكان للحكم العقلى لا يكاد يوجدان فى الشّىء بسبب تعلّق القطع به وكذا المحبوبيّة والمبغوضيّة للمولى فكلّ فعل هو محبوب للمولى لا يصيّره العلم بمبغوضيّة مبغوضا وما هو مبغوض له لا يصيّره العلم بمحبوبيّة محبوبا أترى انّ القطع بكون ابن المولى عدوّه يوجب محبوبيّة قتله او كون عدوّه ابنا له يوجب مبغوضيّة قتله وثانيا لو سلّمنا انّ العلم بخمريّة الماء يوجب انقلابه عمّا هو عليه نقول انّ الفعل كيف يحرم او يجب شرعا بلحاظ القطع به وجوبا او تحريما وكيف يصحّ توجيه الخطاب بهذا العنوان وذلك لا لمكان انّ العلم لا