وثانيا لو سلّمنا كونه من مقولة الفعل وانّه قبيح ايضا فنمنع من كونه مستلزما لتوجيه الخطاب الى المكلّف وحرمته شرعا وذلك لوضوح انّ الفعل ومتعلّق التّكليف فعلا او تركا بما له من الجهة والعنوان لا بدّ ان يكون اختياريّا للمكلّف ويكون قادرا على الاطاعة والعصيان والعنوان الحاصل هنا ليس من هذا القبيل لانّ الشّخص المتجرّى انّما يقصد نفس الفعل لا الفعل بعنوان التجرّى فالمأتىّ به اختيارا انّما هو ذات الفعل الّذى لم يكن متعلّقا للخطاب لا الفعل بهذا العنوان فالفعل المأتيّ به من شخص المتجرّى وما هو المتجرّى به اختيارىّ له بذاته لا بما هو حرام وما يكون حراما غير اختيارىّ له وليس بمأتىّ به اختيارا وثالثا يمتنع توجيه الخطاب الى الآتي بقصد الحرام الغير المطابق للواقع بعنوان التجرّى او القاطع المخالف قطعه للواقع لانّه غير ملتفت الى هذا العنوان فانّه لا يحتمل خلاف ما قطع به ليشعر بالحكم بما له من العنوان وبالالتفات يخرج عن كونه متجرّيا ورابعا انّ قبح الفعل من حيث كشفه عن شقاوة الفاعل ليس مختصّا بمن خالف قطعه الواقع بل يعمّ صورتى المصادفة وعدمها وعليه فاللّازم توجيه الخطاب على نحو يعمّ كلتا الصّورتين فان كان هو الخطاب الواقعى المتعلّق بذات الخمر لزم شموله لغيره ايضا وهو محال وان كان خطابا آخر لزم اجتماع حكمين متماثلين فى نظر القاطع على ما عرفت ومنها انّ القطع كما يكون علّة تامّة لاستحقاق الثّواب والعقاب فى صورة الموافقة يكون كذلك فى صورة المخالفة فلو قطع بحرمة الخمر وشرب ما اعتقده خمرا كان مستحقّا للذّم والعقوبة فنفس مخالفة القطع وموافقته علّة لاستحقاق العقوبة والمثوبة وصحّتهما ولو لم يطابق الواقع فالمناط فى حكم العقل باستحقاق العاصى للعقاب موجود فى المتجرّى وذلك من جهة انّ للعلم فى باب الاحكام العقليّة جهة موضوعيّة بل هو تمام الموضوع فى المستقلّات العقليّة من غير فرق بين الحكم العقلى الواقع فى سلسلة علل الاحكام ومناطاتها الرّاجع الى باب التّحسين والتقبيح وعليه يبتنى قاعدة الملازمة والحكم العقلى الواقع فى سلسلة معلولات الاحكام الرّاجع الى باب الاطاعة والمعصية وما يتفرّع عليهما من الثّواب والعقاب ومن ذلك حكمه بقبح المعصية فانّه لا يحكم بذلك الّا بعد العلم بالحكم الشّرعى ولا يمكن اعتبار خصوص العلم المصادف للواقع فانّ المصادفة وعدمها ليست من الامور الاختياريّة وان شئت قلت إنّ المناط فى حكم العقل باستحقاق العقاب هو جهة المبغوضيّة الفاعليّة الناشية عن علم المكلّف بالمعصية واتيانه بالفعل الّذى يعلم بكونه مبغوضا للمولى من دون مدخليّة للواقع فى ذلك أصلا وعلى هذا التقرير يكون المتجرّى فى حكم العاصى من حيث استحقاق العقاب من دون حرمة للفعل الصّادر والجواب انّ مدخليّة العلم فى المستقلّات العقليّة ممّا لا ينكر الّا انّ المسلّم من ذلك فى باب الثّواب والعقاب فى التّكاليف الشرعيّة هو خصوص العلم المصادف للواقع لا العلم مطلقا وهذا الاختصاص ليس من باب التخصيص فى موضوع الحكم العقلى بل هو من باب التخصّص فانّ غير المصادف جهل وليس