بعلم لانّ العلم عبارة عمّا يكون كاشفا حقيقة واطلاقه على غير المصادف لمكان اعتقاده كشف الواقع عنده والّا فليس اعتقاده الّا جهلا مركّبا وبعبارة أخرى ليس حكم العقل باستحقاق العقاب محمولا على الاعتقاد فقط حتّى يكون تمام الموضوع لذلك بل معلّق على الواقع والعلم به ويكون كلّ منهما جزء للموضوع فانّ الواقع بما هو غير قابل لتنجّزه على المكلّف وتحريكه على الاطاعة ما لم ينكشف ولم يصل اليه وحاشا بالعقل ان يحكم باستحقاق العقاب بمجرّد تخيّل الكشف من دون ان يخالف حكما فى الواقع وبعبارة ثالثة حكم العقل بالاطاعة والعصيان وما يتبعهما من الثّواب والعقاب فى الأوامر الشرعيّة ونواهيها لا يكون الّا ارشاديّا من غير فرق بين القطع بالحكم والظّن والشّك حتّى فى القطع المطابق للواقع بيان ذلك انّ حكم العقل وادراكه انّما يتصوّر على وجهين الاوّل ان يدرك الحسن او القبح فى ذات الشّىء ويحكم بعد ذلك حكما انشائيّا امّا تكليفيّا على وجه الموضوعيّة بوجوب الاجتناب عن شيء او وجوب الاشتغال به كإدراكه حسن ردّ الوديعة وحفظ النّفس المحترمة وحسن مطلق الاحسان وحرمة الظّلم وقتل النّفس ونحوهما او تكليفيّا على وجه الطريقيّة كايجابه الاحتياط فى باب الدماء والفروج او غير تكليفىّ كحكمه بقبح العقاب بلا بيان فانّ العقل بعد ادراكه حسن هذه الأفعال او قبحها ينشأ حكما محمولا على هذه الأفعال مثل حكم الشّارع والزامه ويحكم ايضا باستحقاق الثواب والعقاب وفى هذا القسم يقال كلّما حكم به العقل حكم به الشرع الثّانى ان يحكم بشيء من الوجوب والحرمة او غيرهما ارشادا وتبعا لأجل أدراك مصلحة او عدم الوقوع فى مهلكة بمعنى انّه لا يدرك حسنا او قبحا فى الاشتغال بنفس الفعل ولا إنشاء ولا خطاب له بالنّسبة اليه اصلا وانّما يرشد الفاعل الى مطلوب واقعىّ وثمرات مترتّبة على الفعل والتّرك فليس فى حكم العقل الّا هداية اليها واخبار عن انّ غاية هذا الفعل منفعة او مضرّة واقعيّة مترتّبة عليه وهذا ليس حكما انشائيّا بل ليس حكما اصلا فانّ الحكم عبارة عن الانشاء والالزام والمفروض عدمهما فى هذا القسم بل هو مجرّد ارشاد وهداية للوصول الى مطلوب واقعىّ والاجتناب عن مبغوض كذلك نظير حكم العقل وأمر الطّبيب بوجوب شرب الدّواء الّذى يأمر الطّبيب بشربه فانّهما لا يحكمان بذلك من جهة الحسن الثّابت فى نفس الفعل بل ربما يكون الفعل بنفسه قبيحا مذموما ككون الدّواء متعفّنا ومتهوّعا وانّما يخبران عن انّ غاية هذا الفعل الوصول الى مصلحة الصّحة ومن أمثلة هذا القسم حكم العقل بوجوب مقدّمة الواجب وحرمة مقدّمة الحرام وبوجوب ترك ضدّ المأمور به لاجل الوصول الى فعل الواجب وحكمه بوجوب الاحتياط عند تنجّز التّكليف وامكان الاحتياط كالصّلاة الى اربع جهات عند اشتباه القبلة وحكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية فانّ العقل فى جميع ذلك يقول انّ ترك المقدّمة وعدم ترك الضدّ وترك الاحتياط وترك الاطاعة مفضية الى ترك الواجب الموجب للعقاب فيجب للاجتناب عنه حذرا عن الوقوع فى الضّرر الأخروى وهو العقاب على ترك اصل الواجب ولا اشكال فى انّ