غسل الوجه واليدين ولا في مسح الرأس كمبدأ أو فكره ، ودليل الجميع قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) بالاتفاق ، ولا خلاف إطلاقا في أصل الغسل للوجه واليدين ولا في المسح للرأس كما أشرنا (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وهنا محل الخلاف ، ومصدره أن الأرجل قرئت بالنصب وبالخفض ، فقال السنة يجب غسل الأرجل على القراءتين ، أما على النصب فلعطف الأرجل على الأيدي المنصوبة لفظا ومحلا ، وأما على الخفض فلمجاورة الأرجل للرءوس المجرورة تماما كقول العرب : «حجر ضب خرب». وقال الشيعة يجب مسح الرجلين على القراءتين ، أما على الخفض فلعطف الأرجل على الرؤوس المجرورة بالباء ، وأما على النصب ، فللعطف أيضا على الرؤوس محلا لا لفظا ، لأن كل مجرور لفظا منصوب محلا (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) بالاغتسال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ...) تقدم بالحرف في الآية ٤٣ من النساء (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) استنتج جميع فقهاء الإسلام من هذه الآية قاعدة كلية ، واعتبروها ركنا من أركان الشريعة الإسلامية ، ويسميها فقهاء الشيعة قاعدة نفي الحرج وفقهاء السنة قاعدة التيسير ، ومعناها ما شرع الله حكما لعباده ، فيه شائبة الضيق والمشقة عليهم فضلا عن الضرر والإضرار (لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) أبدا ، كل أحكام الله سبحانه هي وسيلة لطهارة الأخلاق ، وصالح الأعمال ، واخلاص النوايا والمقاصد ... حتى الإيمان بالله إيمان بالعدل والرحمة والانسانية ، والإيمان بالنشر والحشر إيمان بأن عاقبة الغادر الفاجر عذاب النار وسوء الدار ، والإيمان برسالة محمد (ص) إيمان بالعلم والإنسان والأخلاق والأديان التي جاء بها إبراهيم وموسى وعيسى.
٧ ـ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) والخطاب في واثقكم وضمير المتكلم في سمعنا وأطعنا هما لكل مسلم قال ويقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وهذا القول هو بذاته ودلالته العهد والميثاق المسلم لله بأنه لا يعبد ولا يستعين بسواه ، ومعنى هذا أن أي مسلم يعصي الله في أمر أو نهي فقد نقض عهد الله وميثاقه ، وأكذب نفسه بنفسه.
٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) تقدم هذا النداء منه تعالى للمؤمنين ، في ١٣٥ من سورة النساء ، والقصد من التكرار هو الحث والتأكيد على أن نكون أقوياء في جانب الحق والعدل لا ضعفاء مهزولين ، نلتمس المبررات والمعاذير لجبننا وتخاذلنا ، قد دلتنا المشاهدة وكتب التاريخ أن الإيمان الراسخ لا يقف في وجهه أي حاجز وأن الشهداء هم شهداء الإيمان والعقيدة (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) لا يحملنكم البغض لأعدائكم المشركين وغيرهم (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) على أن تظلموا الأعداء لمجرد الكره والتشفي (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) من الاندفاع مع البغض والشنآن الا أن يكون البغض في الله والغضب للحق لا لغرض شخصي أو دنيوي.