١٤ ـ (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله ، وقالوا : نحن أنصار الله (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بأن يسيروا على سنة السيد المسيح (ع) ولا يقولوا : الله ثالث ثلاثة (فَنَسُوا حَظًّا) نصيبهم من الثواب عند الله لو سمعوا وأطاعوا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وهو الإنجيل الذي حرفوه ، ولو بقي كما أنزل على عيسى ، والتوراة كما أوحي بها إلى موسى ـ لكان الدين واحدا في شرق الأرض وغربها (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ) أي ألصقنا بهم (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) لبعضهم البعض (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ومن أراد أن يسبر غور هذه العداوة والبغضاء فليرجع إلى كتاب الإسلام والنصرانية للشيخ محمد عبده وكتاب محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبي زهرة.
١٥ ـ ١٦ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ) نداء لليهود والنصارى (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) محمد (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) أخفى النصارى التوحيد ، وأخفى اليهود تحريم الربا وغير ذلك ، ومما أخفوه معا البشارة بنبوة محمد (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من الذين أساؤا إليه من رؤسائكم.
(قَدْ جاءَكُمْ) أيها اليهود والنصارى (مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ ...) يهدي للتي هي أقوم دنيا وآخرة ، فأبيتم إلّا العناد والفساد ، فقامت عليكم الحجة ، وانقطعت منكم كل معذرة.
١٧ ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) كل من وصف المخلوق بشيء من صفات الخالق كالخلق. والرزق فما هو بمسلم ، ولا يختلف في ذلك اثنان من المسلمين ، وايضا نطق القرآن الكريم بصراحة أنه لا حساب على الآراء والمعتقدات إلا لله وحده ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) ـ ٤٨ الشورى». (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ...) لأن الله سبحانه إذا ملك القدرة على هلاك المسيح فمعنى هذا أن المسيح ليس بإله ، وإن عجز عن هلاك المسيح فمعنى هذا أن الله ليس بإله وعليه فالجمع بين إلهين محال ، فكيف بالثلاثة؟
١٨ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وإن قال قائل : كل أهل دين يقول مثل هذا؟ قلنا في جوابه : إن الإسلام يقرر مبدأ المساواة بين الناس أجمعين كتابا وسنة وعقلا ، فمن الكتاب : «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ـ النساء ... (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ـ ١٣ الحجرات». ومن السنة النبوية : «أيها الناس إن ربكم واحد ، وكلكم من آدم ، وآدم من تراب ... خير الناس أنفع الناس للناس» وفي الآية ٦ من فصلت (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ). أما العقل فهو الأساس والأصل الأصيل لعقيدة الإسلام وميزان العدل لشريعته.