كَفَرُوا) إشارة إلى هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة التي كانت البداية لتحطيم قوى الشر والضلال (ثانِيَ اثْنَيْنِ) رسول الله وأبو بكر (إِذْ هُما فِي الْغارِ) الكهف (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) خاف أبو بكر فطمنه النبي بقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) وفي تفسير الرازي أن أبا بكر قال قال للنبي (ص) : إن الله معنا؟ قال الرسول : نعم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) على رسول الله حيث أوحى إليه بأن الله معه يحرسه ويرعاه كما أخبر النبي أبا بكر (وَأَيَّدَهُ) يوم بدر وغيره (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) وكلمة الله هي الإسلام. وكلمة الكفر هي الأصنام :
٤١ ـ (انْفِرُوا خِفافاً) جمع خفيف ، وهو هنا من يستطيع الجهاد بيسر (وَثِقالاً) جمع ثقيل ، والمراد به هنا من يستطيع الجهاد بشيء من المشقة (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) إن أمكن وإلا فبأحدهما وإلا فما على العاجز من حرج. ومن المسلمات الأولية في دين الإسلام أن أي عدو يحاول الاعتداء على الدين بتحريف كتاب الله أو بصد المسلمين عن إقامة الفرائض والشعائر الدينية أو بالاستيلاء على بلد من بلادهم ، وعجز أهل هذا البلد عن صد العدو ومقاومته ـ وجب كفاية الجهاد والدفاع عن كل مسلم : الذكر والأنثى والسليم والمريض والأعمى والأعرج ، من كل على قدر طاقته ماديا وأدبيا ، ولا يتوقف هذا الجهاد على إذن الإمام أو نائبه.
٤٢ ـ (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) غنيمة باردة (وَسَفَراً قاصِداً) غير شاق وبعيد (لَاتَّبَعُوكَ) وهذا من جبلة الإنسان وفطرته ، قال الإمام علي (ع) : «الناس أبناء الدنيا ، ولا يلام الرجل على حب أمه» ولكن إذا أدى هذا الحب إلى الضرر الأشد وجب دفعه بالضرر الأخف ، وفي الجهاد مصلحة عامة ، وهي مقدمة على مصلحة الآحاد ، لأن الضرر في فوات الأولى أعم وأشمل وأشد وأبلغ. (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) المسافة شاقة بعدا وحرا مع قلة الزاد إلا التقوى ، وليسوا لها بأهل (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) هذا إخبار بالشيء قبل وقوعه وقال المفسرون : هو من المعجزات!. ولكنه ليس منها في شيء ، لأن هذا دأب المنافق وديدنه (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) كل من يعصي الله في شيء فهو يسيء إلى نفسه بنفسه.
٤٣ ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ) الخطاب من الله لرسوله والمراد بالعفو هنا العتاب على وضع المعروف في غير حقه وعند غير أهله (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) كان بعض المنافقين قد استأذن رسول الله بالتخلف عن غزوة تبوك فأذن له (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) كان المنافقون على نية التخلف عنك ، وإن لم تأذن به ، ولو لا الإذن به لظهرت هذه النية الخبيثة المبيتة ، وافتضح أمرهم بعصيانهم لأمرك.
٤٤ ـ (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) إن مجرد طلب الإذن بالتخلف عن الجهاد تهاون بالدين وجرأة على المعصية تماما كطلب الإذن بالفسق والفجور.
٤٥ ـ (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) هذه الآية من مضامين التي قبلها ، لأنك إذا قلت صاحب