البيت لا يستأذن ، تبادر إلى الأفهام أن الغريب هو الذي يستأذن. قيل للإمام علي (ع) : صف لنا العاقل. فقال : هو الذي يضع الشيء مواضعه ، فقيل : صف لنا الجاهل. فقال : قد فعلت.
٤٦ ـ (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) لكل شيء موجب وسبب ، ولا موجب للجهاد عندهم إطلاقا وإلا لاستعدوا له ولم يستأذنوا بالتخلف (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) لسلوكهم طرق الضلالة والخيانة ، وتمسكهم بأسبابها (فَثَبَّطَهُمْ) أخرهم (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) بعد أن اختاروا لأنفسهم الكسل والخمول والتأخير والقعود ، تماما كما هي حال العرب والمسلمين الآن حيث يقع الذنب عليهم لا على الإسلام في كل ما يعانونه من ويلات ومشكلات.
٤٧ ـ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) شرا وفسادا (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) سعوا بينكم بالنميمة والفتنة ...
٤٨ ـ (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ) يشير بهذا إلى سيرة المنافقين مع النبي وإصرارهم على الكيد له والمكر به قبل تبوك (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) دبروها ضدك من كل وجه ولكن الله أبطل سعيهم ، وخاب من افترى وبالمناسبة نشير بإيجاز أن ما ذكره القرآن الكريم من صفات أهل النفاق والشقاق ، ينطبق بالكامل على ما يسمى الآن بالحرب الباردة أو الحرب النفسية التي تثيرها وتتولاها قوى الشر والخيانة من نشر الشائعات المغرضة ، وتجريح الوطنيين ، وإثارة الفتن والقلاقل والاستفزازات ، ووصم الحركات الوطنية بالتهديم والتخريب ، وعملية الاغتيالات وتدبير المؤامرات والانقلابات ، كل ذلك وما إليه يقوم به المنافقون في عصرنا بطريقة محكمة ومنظمة ، بل وعلمية حيث يستخدمون أساليب ترتكز على علم النفس والاجتماع ، ويدخلون إلى كل قلب من نافذته وعاطفته ، أو كما قال الإمام علي (ع) : «أعدوا لكل باب مفتاحا ، ولكل ليل مصباحا» ٤٩ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) تشير هذه الآية إلى حادثة خاصة ، وهي أن الجد بن قيس كان من شيوخ المنافقين ، وقد اعتذر من الذهاب إلى تبوك بأنه يحب النساء ، ويخشى إن هو رأى الروميات الفاتنات أن يقع بغرامهن فنزلت الآية (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) فر من سيء إلى أسوأ ، من الشهوات إلى جهنم وبئس المصير.
٥٠ ـ (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) شأن الحسود اللئيم ، يموت بغيظه إذا رأى نعمة على غيره (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) حذرنا (وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) بهزيمة المسلمين ولا يشمت بالمصيبة إلا خسيس وضيع. وتقدم في الآية ١٢٠ من آل عمران.
٥١ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا ...) نحن نؤمن بالله ، ونعمل بأمره في كل شيء متكلين عليه وحده في جهادنا وسائر تصرفاتنا ، ولا نخاف حربا ولا تجمعا ولا مكرا من ماكر ، وأيضا لا نحزن على فشل وهزيمة ، ولا نغتر بربح ونصر ، لأننا نعتقد ونوقن بأن مقاليد الأمور كلها