بيده تعالى.
٥٢ ـ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) وهما النصر أو الشهادة ، والمعنى أن المقاتل من غيرنا قد ينجح وقد يفشل ، أما المقاتل منا فهو الرابح الناجح على كل حال ، لأنه إن ظفر بخصمه فذاك ، وإن قتل في سبيل الله فإلى الجنة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) في الدنيا أو الآخرة (أَوْ بِأَيْدِينا) بأن ينصرنا عليكم (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) انتظروا فكل متوقع آت.
٥٣ ـ (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) حال أي طائعين أو كارهين ، والمعنى بأي دافع أنفقتم أموالكم في سبيل الخير (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) ولما ذا؟ (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) والله سبحانه يتقبل من المتقين ٥٤ ـ (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) ولو أعلنوا هذا الكفر ، ولم يتظاهروا بالإيمان لقلنا : بعض الشر أهون من بعض ، ولكنهم تستروا باسم الدين لمجرد الكيد والخداع وشق الصفوف في وقت وساعة العسرة ، فكيف تقبل أموالهم ولا تحبط أعمالهم؟ (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) لأن الصلاة لله وهم لا يؤمنون به ، قال الإمام علي : نوم على يقين خير من صلاة في شك (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) لنفس السبب ، قال الإمام علي (ع) : من أيقن بالخلف جاد بالعطية.
٥٥ ـ (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وتسأل : كيف تجمع بين هذه الآية التي تقول : إن الله سبحانه يعذب المنافقين في الحياة الدنيا بالأموال والأولاد ، وبين الآية ٤٦ من الكهف القائلة بوضوح : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)؟ ولو كانت الزينة في الحياة الدنيا والعذاب في الآخرة ، لاستقام الظاهر ، ولكن الآيتين جعلتهما معا في الحياة الدنيا. الجواب : إن آية الكهف تعم الناس أجمعين ، والآية التي نحن بصددها تخص المنافقين الذين تركوا ذرية مؤمنة ، وقد عذّب سبحانه هؤلاء المنافقين بأولادهم لأن أبناءهم اعتنقوا الإسلام ، وصاروا أعداء ألداء لآبائهم ، ولا شيء أثقل على المرء من أن يكون ولده عدوا له في دينه وعقيدته. وأيضا عذّب سبحانه هؤلاء المنافقين بأموالهم لأنهم كانوا على يقين أنها ستئول من بعدهم إلى الذين لا يدينون بدينهم ، وعليه فلا منافاة بين ظاهر الآيتين. (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) لا يتوبون بل يموتون على الكفر ، ولا ترجى هدايتهم.
٥٦ ـ (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ) بل من أعدى أعدائكم ، (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) يخافون منكم ٥٧ ـ (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) حصنا (أَوْ مَغاراتٍ) جمع مغارة (أَوْ مُدَّخَلاً) نفقا (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) يسرعون ٥٨ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) بعيبك على تقسيمها (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) هذا هو مقياس الحق والعدل عندهم ، أن يأخذوا ولا يعطوا (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) وإذن فمن السفه أن تخاطب بمنطق الدين والعقل من لا يؤمن بشيء إلا بذاته ومصلحته.
٥٩ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...)