جواب لو محذوف تقديره لكان ذلك خيرا لهم ، والآية تحث الإنسان أن يعف عما في أيدي الناس ، ويتكل على الله وكد اليمين وعرق الجبين. وفي نهج البلاغة ، كاد العفيف يكون ملكا من الملائكة.
٦٠ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) المراد بالصدقات هنا الزكاة المفروضة ، والفقير الشرعي من لا يملك بالفعل أو بالقوة مئونة سنة كاملة له ولعياله (وَالْمَساكِينِ) والفرق بينهم وبين الفقراء ـ كما في جوامع الجامع ـ أن الفقراء يتعففون ولا يسألون ، والمساكين يسألون. ومهما يكن فهما يشتركان في العجز عن قوت السنة (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) وهم الجباة الذين يجمعون الزكاة ويحفظونها فيأخذون على عملهم الأجر من الزكاة ، وإن كانوا أغنياء (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم الذين يراد استمالتهم إلى الإسلام وخدمة المسلمين. وفي نهج البلاغة : قلوب الرجال وحشة فمن تألفها أقبلت عليه (وَفِي الرِّقابِ) أي تبذل الزكاة لتحرير العبيد من الرق ، وتجدر الإشارة أنه لا أمر في القرآن باسترقاق أو التسري ، بل عالج الرق بما شرّع من أسباب العتق على أساس الحكمة ، ومنها البذل من الزكاة ، وما استفحل أمر الرق بعد الإسلام إلا على أيدي تجار الغرب والكنيسة. قال أو غسطين : «إن الله قد أدخل الرق على العالم كعقاب على الخطيئة ، وسيكون تمردا على إرادته أن نحاول إلغاء هذا الرق» (مجلة الكاتب المصرية العدد ١٢٣ ص ١٢٣).
(وَالْغارِمِينَ) وهم الذين تحملوا ديونا عجزوا عن وفائها ، شريطة أن لا يكونوا قد صرفوها في وجه غير مشروع (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهو سبيل الخير والصالح العام (وَابْنِ السَّبِيلِ) المنقطع في سفره عن أهله وماله وبلده على أن لا يكون سفره في معصية.
٦١ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يسمع كل ما يقال له ويصدقه (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) لأنه لا يستمع إلى ما فيه ضرر على أي إنسان ، ويرفض ما فيه ضرر. كالغيبة والنميمة (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) واللام زائدة أي يصدق المؤمنين ، والمعنى الجملي أن النبي (ص) يؤمن بالله ، ومن حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يصدقه فيما لا ضير فيه على الآخرين حتى يثبت العكس ، ويأتي في آخر هذه السورة أن النبي (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لأن إيذاءه إيذاء لله والحق والإنسانية.
٦٢ ـ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) خوفا منكم أيها المسلمون (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) لأن رضا المؤمنين من رضا الله ورسوله ، وإذا تستر المنافقون من المؤمنين بحلف الأيمان فإن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية.
٦٣ ـ (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ) يعادي ويعاند (اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) أجل ، إنهم لا يعلمون لأن العلم مقرون بالعمل ، فمن علم عمل ، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه ، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع) فهل يتعظ الأدعياء بقول إمام الأتقياء.
٦٤ ـ (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) أي